في ظل تصاعد التحذيرات من التلوث الكيميائي المحيط بنا، تتجه الأنظار إلى تهديد خفي يطال صحة الملايين، حيث ترتبط المادة البلاستيكية السامة، المعروفة باسم “الفثالات”، بحدوث أكثر من 365 ألف حالة وفاة سنويًا، أغلبها بسبب أمراض القلب. إنها أزمة لا يشعر بها أحد، لكنها تنمو بصمت في مطابخنا ومشافي العالم. في هذا المقال، نكشف خفايا هذه المادة، أماكن وجودها، والأهم… كيف نواجه آثارها قبل فوات الأوان.
انضم إلى قناة بابونج المجانية على الواتساب نصيحة صحية يومية للحصول على نصائح طبية متنوعة يوميًا.
ما هي المادة البلاستيكية السامة؟
تتناول هذه الدراسة مخاطر التعرض اليومي للمركب كيميائي يُعرف باسم “ثنائي (2-إيثيل هكسيل) الفثالات” أو (DEHP)، وهو أحد أنواع الفثالات (بالإنجليزية: Phthalates) ، وهي ما يُعبر عنه بالمادة البلاستكية السامة، تُستخدم هذه المادة لتليين البلاستيك ومنحه المرونة، مما يجعلها عنصرًا أساسيًا في الكثير من الصناعات التي تعتمد على مادة بولي فينيل كلورايد (بالإنجليزية: Polyvinyl chloride, PVC).
وفقاً لدراسة نُشرت في مجلة الطب الحيوي الإلكتروني (بالإنجليزية: E-BioMedicine) عام 2024، يرتبط التعرّض المستمر لهذه المادة بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وهو ما يُشكّل تهديدًا صحيًا عالميًا لم يُعطَ بعد ما يستحقه من الانتباه.
أين توجد المادة البلاستيكية السامة؟
تنتشر مادة DEHP في بيئاتنا أكثر مما نعتقد، إذ تدخل في تصنيع عدد هائل من المنتجات اليومية، أبرزها:
-
عبوات تعبئة المياه والمشروبات الغازية.
-
أواني وحاويات تخزين الطعام.
-
المعدات والأدوات الطبية (مثل أنابيب التغذية الوريدية).
-
ألعاب الأطفال.
-
المفروشات الجلدية المصنعة.
-
أدوات التجميل والعناية الشخصية.
-
الستائر والأرضيات البلاستيكية.
ما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا هو أن هذه المادة لا تبقى ثابتة داخل المنتج، بل تتسرّب إلى الهواء أو الغذاء أو الجلد بمرور الوقت، خاصة في حال تسخين البلاستيك أو تعرضه للضوء.
أضرار المادة البلاستيكية السامة
تتجاوز أضرار المادة البلاستيكية السامة مجرد التلوث البيئي، إذ تمتد آثارها لتُهدد صحة الإنسان على مستويات متعددة، بدءاً من القلب وانتهاءً بالهرمونات والتكاثر، فيما يلي أبرز الأضرار:
خطر مباشر على القلب والشرايين
بحسب باحثي مركز “لانغون” الصحي التابع لجامعة نيويورك، يؤدي التعرّض المنتظم لمادة DEHP إلى تحفيز استجابات مناعية مفرطة داخل الأوعية الدموية، مما يُسهم في تلف جدران الشرايين ويزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية على المدى الطويل.
شاهد أيضًأ: سبب طبي ينهي مسيرة الإعلامي صبحي عطري
اضطراب الغدد الصماء والهرمونات
تُعدّ الفثالات من مُخلّات الغدد الصماء، ما يعني أنها تُشوش على عمل الهرمونات الحيوية، خاصة الهرمونات الجنسية، وهو ما يرتبط بمشاكل مثل العقم واضطرابات النمو عند الأطفال، بحسب تقارير الجمعية الأميركية للغدد الصماء.
تأثيرات على الأطفال والحوامل
تشير أبحاث معهد القياسات الصحية والتقييم إلى أن الأطفال، والنساء الحوامل تحديداً، أكثر عرضة للتأثر بالفثالات، حيث تم ربط هذه المواد بتأخّر النمو المعرفي، وانخفاض الوزن عند الولادة، واضطرابات سلوكية لاحقة.
شاهد أيضًا: 10 اشياء تحتاجها الحامل لرحلة حمل مريحة
من يدفع الثمن؟
أظهرت الدراسة أن العبء الصحي الأكبر لا يقع على الدول الصناعية المتقدمة، بل على البلدان النامية، مثل الهند، باكستان، ومصر، والتي شهدت مجتمعة عشرات الآلاف من الوفيات المنسوبة إلى DEHP. ويرجّح الباحثون أن هذا يعود إلى:
-
ارتفاع حجم الإنتاج والاستهلاك البلاستيكي.
-
غياب الضوابط الرقابية على الصناعة.
-
استخدام مكثف للعبوات والمعدات منخفضة الجودة.
-
ضعف التوعية المجتمعية بشأن سلامة المنتجات.
وقد كانت القارة الإفريقية مسؤولة عن 30% من إجمالي هذه الوفيات، في حين مثّلت منطقتا الشرق الأوسط وشرق آسيا 25% إضافية، ما يعكس خللًا هيكليًا في العدالة البيئية والصحية عالميًا.
ما الذي يجب فعله؟
لا يكفي التحذير العلمي إذا لم يتبعه تحرّك تشريعي واضح. توصي المؤسسات الصحية العالمية بضرورة:
-
حظر استخدام DEHP في المنتجات الغذائية والطبية: لتقليل تعرّض الإنسان المباشر للمادة عبر الطعام والمستلزمات الصحية.
-
وضع علامات واضحة على المنتجات التي تحتوي على الفثالات: ليتمكن المستهلك من اتخاذ قرار واعٍ عند الشراء.
-
توعية المستهلكين بمخاطر البلاستيك القابل للتسرب: لأن الاستخدام اليومي لهذه المواد قد يبدو آمناً رغم مخاطره المتراكمة.
-
تعزيز البحث العلمي حول البدائل الآمنة للمواد البلاستيكية: لضمان انتقال تدريجي ومستدام نحو مكونات أقل ضرراً.
-
دعم التشريعات البيئية في الدول ذات الإنتاج العالي للبلاستيك: إذ أن غياب القوانين الرقابية يفاقم من حجم التعرض للمادة.
-
استبدال الفثالات بمركبات أكثر أماناً مثل السيليكون أو البولي إيثيلين منخفض الكثافة المعدّل: رغم الحاجة لمزيد من الدراسات لتأكيد مأمونيتها على المدى الطويل.
شاهد أيضًا: كارثة صامتة في بيتك: سموم تهدد دماغ الجنين
الخلاصة
ليست كل أزمة واضحة للعيان، فبعضها يتسلّل إلى أجسامنا عبر أدوات نظنها آمنة. تشير الأدلة العلمية المتزايدة إلى أن مركبات الفثالات، وفي مقدمتها DEHP، لم تعد مجرد مكوّن صناعي، بل خطر صحي ماثل أمامنا. وبينما تكشف الأبحاث عن آلاف الوفيات سنوياً، يبقى التحدي الحقيقي في تحويل هذه المعرفة إلى قرارات وتنظيمات تحمي البشر من سمٍ يتسلّل في وضح النهار.
إنها دعوة للاستيقاظ، للمواطن، والمصنّع، وصانع القرار. فالصحة ليست ثمناً يُدفع مقابل المرونة الصناعية.