تُعدّ التوائم الملتصقة واحدة من أندر الظواهر التي يشهدها الطب الحديث، ومع ذلك تحمل في طياتها قصصًا إنسانية تتجاوز حدود العلم والجراحة. وفي اليوم العالمي للتوائم الملتصقة، تتجه الأنظار نحو هذه الحالات التي تجمع بين التحدّي البيولوجي والدعم الإنساني، لنقف أمام أسئلة أعمق عن القدرة على التكيّف، وإرادة البقاء، والدور الذي يلعبه التقدّم الطبي في منح حياة كاملة لطفلين يشتركان في الجسد منذ اللحظة الأولى. هذا اليوم ليس احتفاءً بحدث نادر فقط، بل دعوة للنظر إليه بعين المعرفة والإنصاف.
انضم إلى قناة بابونج المجانية على الواتساب نصيحة صحية يومية للحصول على نصائح طبية متنوعة يوميًا.
كيف تحدث حالة التوائم الملتصقة؟
تبدأ قصة التوائم الملتصقة (بالإنجليزية: conjoined twins) في مرحلة مبكرة جدًا من الحمل، عندما ينقسم الجنين المتماثل إلى نصفين لكنه لا يُكمل الانفصال بالكامل، فيستمر النمو بارتباط جسدي يختلف من حالة لأخرى.
وفق دراسات نُشرت في مجلة ذا لانست (بالإنجليزية: The Lancet) فإن هذا الانقسام غير المكتمل يحدث خلال الأيام 13 إلى 15 بعد الإخصاب، وهي فترة دقيقة قد يؤدي أي خلل بسيط فيها إلى التحام الأنسجة أو الأعضاء. ورغم ندرة هذه الظاهرة التي تتراوح بين 1 من كل 50 ألف إلى 200 ألف ولادة، إلا أنها تكشف لنا عن دقّة تكوّن الإنسان وتعقيد المراحل الأولى من الحياة.
يعتقد الباحثون أن نوع الالتصاق وشدّته يرتبطان باللحظة التي توقف فيها الانقسام، ما يفسّر اختلاف الحالات بين التصاق في الصدر أو البطن أو الحوض أو حتى الرأس. هذه الصورة العلمية لا تعكس غرابة الحالة بقدر ما تبرز هشاشة المرحلة الأولى من تكوّن الجنين، لأن أي خلل صغير جدًا في الأيام الأولى من الحمل ممكن يغيّر مسار الانقسام ويؤدي لظهور التوائم الملتصقة.
أسباب التوائم الملتصقة
رغم التقدم الطبي، ما زالت أسباب التوائم الملتصقة غير واضحة تمامًا، لكن الأبحاث الحديثة تقدّم عدة عوامل محتملة تساعد على تفسير حدوثها:
-
انقسام غير مكتمل للجنين المتماثل في الأيام 13–15 بعد الإخصاب، وهي الفترة الأكثر حساسية في تشكّل التوائم.
-
التحام ثانوي بعد انقسام كامل في البداية، حيث تعود الأنسجة للاتصال بسبب قرب الخلايا الجنينية من بعضها.
-
عوامل وراثية محتملة لم تُثبت بشكل قاطع، لكنها تُناقَش في دراسات علمية تبحث في نمط حدوث الحالات بين بعض العائلات.
-
اضطرابات في البيئة الجنينية المبكرة مثل تغيرات في تدفق الدم أو المواد المغذية داخل الكيسة الأريمية.
-
توقيت الانقسام: كلما تأخر الانقسام، زادت احتمالية الالتحام في مناطق حيوية مثل الصدر أو البطن أو الحوض.
اقرأ أيضًا: تسمم الحمل (Eclampsia).. أسبابه ومضاعفاته
أنواع التوائم الملتصقة الأكثر شيوعًا
معرفة الأنواع يساعد على فهم تعقيد الرعاية الطبية وخيارات العلاج.
- التوأم الملتصق صدريًا (بالإنجليزية: Thoracopagus): يحدث الالتصاق في منطقة الصدر، وغالبًا يشترك التوأمان في القلب أو الأوعية الكبرى، مما يجعل فرص الفصل الجراحي معقّدة وتتطلب تقييمًا دقيقًا لوظيفة القلب المشتركة.
- التوأم الملتصق بطنيًا (بالإنجليزية: Omphalopagus): يكون الارتباط في منطقة السرة أو الجزء العلوي من البطن، مع احتمال مشاركة الكبد أو أجزاء من الجهاز الهضمي. يُعتبر هذا النوع من أكثر الأنواع التي يمكن فصلها بنجاح عند توافر فريق متخصص.
- التوأم الملتصق عند العجز (بالإنجليزية: Pygopagus): يحدث الالتصاق في المنطقة السفلية من العمود الفقري أو حول العجز، وقد يشمل الأنسجة الرخوة أو القناة الشرجية. فرص الفصل في هذا النوع جيدة نسبيًا عند عدم مشاركة الحبل الشوكي.
- التوأم الملتصق في الحوض (بالإنجليزية: Ischiopagus): يرتبط التوأمان عند الحوض مع احتمال مشاركة العظام والأطراف السفلية أو الأعضاء السفلية. وغالبًا يتطلب التخطيط الجراحي وقتًا أطول نظرًا لتوزيع الأعضاء بين الطفلين.
- التوأم الملتصق في الجمجمة (بالإنجليزية: Craniopagus) من أندر الأنواع، يحدث الالتصاق في الجمجمة، وقد يشمل الدماغ أو الأوعية الدماغية، مما يجعل الجراحة واحدة من أكثر التدخلات تعقيدًا على مستوى العالم وتحتاج إلى أشهر من التخطيط الدقيق والتصوير المتقدم.
اقرأ أيضًا: هل الرضاعة الطبيعية تمنع الحمل فعلًا؟ الحقيقة الكاملة التي تهم كل أم
متى يصبح التدخل الجراحي خيارًا؟
عمليات الفصل ليست قرارًا طبيًا بسيطًا، بل خطوة تحتاج تقييمًا دقيقًا قبل الشروع بها.
-
دراسة كمية الأعضاء المشتركة ومدى تداخل الأوعية.
-
التأكد من قدرة كل طفل على العيش مستقلًا بعد الفصل.
-
إجراء فحوصات قلب، كبد، جهاز عصبي، وجهاز هضمي.
-
بعض الحالات لا يمكن فصلها بسبب خطر كبير على الحياة.
-
في حالات أخرى، يمكن أن تكون الجراحة سببًا لولادة حياة مزدوجة جديدة.
اقرأ أيضًا: ملابس الحمل: دليلك الشامل
التحديات الإنسانية والاجتماعية للتوائم الملتصقة
رغم التقدم الطبي، يبقى الجانب الإنساني جزءًا أساسيًا من القصة.
-
مواجهة نظرات المجتمع والوصمة المرتبطة بالاختلاف الجسدي.
-
حاجة العائلات إلى دعم نفسي طويل الأمد.
-
تكاليف الرعاية الطبية والعمليات قد تكون مرتفعة جدًا.
-
صعوبة الاندماج في المدارس أو الحياة اليومية دون برامج دعم مخصصة.
-
أهمية المنظمات الإنسانية في توفير التدريب والرعاية للأهالي.
اقرأ أيضًا: ما هو الحمل المتعدد في مسلسل كارثة طبيعية؟
اليوم العالمي للتوائم الملتصقة
يصادف 24 نوفمبر من كل عام اليوم العالمي للتوائم الملتصقة، بعد أن اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار رسمي بداية من عام 2024، حيث يُحتفى بهذا اليوم لتسليط الضوء على التحديات الفريدة التي يواجهونها على الصعيد الطبي والإنساني، ولرفع مستوى الوعي في المجتمع الدولي بحقوقهم واحتياجاتهم الخاصة.
كما يُعزز هذا اليوم التعاون العالمي لدعم الجهود في تشخيص حالات التوائم الملتصقة، تأمين الرعاية الصحية المناسبة لهم، وتشجيع الأبحاث الجراحية التي تساعد في تحسين جودة حياتهم. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر هذا اليوم منصة للاحتفاء بالنجاحات في عمليات فصل التوائم الملتصقة، وبالتقدم العلمي والطبي الذي جعل أمورًا كانت تبدو مستحيلة يومًا ما واقعًا ملموسًا.
لماذا نحتفل بهذا اليوم؟
هذا اليوم يحمل أكثر من معنى، ولا يقتصر على التوعية الطبية.
-
لزيادة الوعي بأن التوائم الملتصقة ليسوا “حالة غريبة” بل بشر لهم حقوق كاملة.
-
لدعم الأبحاث الجراحية التي تمنح الأطفال فرص حياة أفضل.
-
لتشجيع المجتمعات على الاحتضان بدل التهميش.
-
لتسليط الضوء على قصص نجاح تُثبت أن الطب قادر على تحقيق المستحيل.
-
لتكريم الفرق الطبية والجراحية التي تعمل خلف الكواليس لإنقاذ حياتين في جسد واحد.
خلاصة
إنّ اليوم العالمي للتوائم الملتصقة يذكّر بأن ما نعتبره نادرًا، قد يكون في حياة البعض واقعًا يوميًا مليئًا بالتحديات والأمل. وفي عالم تتسارع فيه الإنجازات الطبية، تبقى الإنسانية جزءًا لا ينفصل عن العلم. الاحتفال بهذا اليوم ليس مجرد رمز، بل رسالة: أن لكل طفل، مهما كانت حالته، حقًا في الحياة، والرعاية، والكرامة.
