ارتفاع هرمون الكورتيزول ليس مجرد استجابة طبيعية للتوتر؛ بل قد يكون علامة تحذيرية على اختلالات صحية خطيرة تتطلب تدخلاً سريعًا. ورغم أن الجسم يفرز هذا الهرمون لحمايتنا في مواقف التهديد، فإن استمراره بمستويات مرتفعة لفترات طويلة يمكن أن يقلب الموازين ضدنا. في هذا المقال، نستعرض أبرز أعراض ارتفاع الكورتيزول، أسبابه المحتملة، ومتى ينبغي عليك استشارة الطبيب.
انضم إلى قناة بابونج المجانية على الواتساب نصيحة صحية يومية للحصول على نصائح طبية متنوعة يوميًا.
ما هو هرمون التوتر؟
الكورتيزول (بالإنجليزية: Cortisol) هو هرمون ستيرويدي يُنتَج في قشرة الغدة الكظرية، ويُعرف أيضًا باسم “هرمون التوتر” نظرًا لدوره الحيوي في استجابة الجسم للضغوط النفسية والجسدية. عندما يواجه الإنسان حالة من الخطر أو القلق أو حتى مجرد ضغط نفسي، يُطلِق الدماغ إشارات تؤدي في النهاية إلى إفراز الكورتيزول في مجرى الدم، مما يُفعّل سلسلة من التغيرات الفسيولوجية تُعرف باسم “استجابة الكرّ والفرّ” (بالإنجليزية: fight or flight response).
يلعب الكورتيزول دورًا رئيسيًا في تنظيم مجموعة واسعة من وظائف الجسم الأساسية، من بينها التحكم في ضغط الدم، وتنظيم مستويات السكر في الدم، ودعم الجهاز المناعي، والمساعدة في استقلاب الدهون والبروتينات والكربوهيدرات. كما يؤثر أيضًا على أنماط النوم والطاقة والمزاج، وله تأثير مباشر على وظائف الدماغ.
يُفرَز الكورتيزول بشكل طبيعي على مدار اليوم وفقًا لإيقاع الساعة البيولوجية، حيث تكون مستوياته في أعلى معدلاتها في الصباح لمساعدة الجسم على الاستيقاظ، ثم تبدأ بالانخفاض تدريجيًا مع اقتراب الليل. إلا أن الخلل في هذا الإيقاع أو الإفراط في إفراز الكورتيزول بشكل مزمن يمكن أن يُسبّب مشاكل صحية متعددة، مثل زيادة الوزن، اضطرابات النوم، ارتفاع ضغط الدم، وضعف المناعة.
من المهم فهم أن الكورتيزول ليس ضارًا في حد ذاته، بل إن وجوده ضروري لوظائف الجسم اليومية. المشكلة تبدأ فقط عندما يبقى مرتفعًا لفترات طويلة، وهو ما قد يكون نتيجة للإجهاد المزمن، أو اضطرابات في الغدة النخامية أو الكظرية، أو بسبب تناول أدوية معينة مثل الكورتيكوستيرويدات. لذلك، فإن مراقبة مستويات الكورتيزول والتعامل مع مسببات التوتر تُعد من الخطوات الأساسية للحفاظ على صحة الجسم العامة والتوازن الهرموني.
أعراض ارتفاع هرمون التوتر
قد تختلف الأعراض تبعًا لشدة الارتفاع أو السبب الكامن وراءه، لكنها غالبًا ما تشمل:
-
زيادة الوزن، خاصةً في منطقة الوجه والبطن
-
ظهور حبّ الشباب
-
ترقق الجلد وسهولة التعرّض للكدمات
-
تباطؤ شفاء الجروح
-
ضعف العضلات والإرهاق الشديد
-
التهيج وصعوبة التركيز
-
ارتفاع ضغط الدم
-
صداع متكرر
كل عرض من هذه الأعراض قد يبدو بسيطًا عند حدوثه بمفرده، لكنه يصبح أكثر خطورة إذا ظهر ضمن مجموعة من الأعراض المتكررة.
أسباب ارتفاع هرمون التوتر
عندما يبقى الجسم في حالة من التوتر أو الخلل الهرموني لفترة طويلة، يبدأ بإفراز كميات مفرطة من هرمون الكورتيزول، مما يُشير غالبًا إلى وجود مشكلة صحية كامنة أو نمط حياة غير متوازن. وفيما يلي أبرز الأسباب الشائعة التي تؤدي إلى ارتفاع مستويات هذا الهرمون في الجسم:
الضغط النفسي المزمن
عند التعرّض المستمر للتوتر، يظل الجسم في حالة “الاستعداد للقتال أو الهروب”، مما يُبقي الكورتيزول مرتفعًا. ومع الوقت، يؤثر هذا سلبًا على القلب، الأوعية الدموية، الجهاز المناعي، والوظائف الذهنية.
اضطرابات في الغدة النخامية
تقع الغدة النخامية في قاعدة الدماغ، وتُعرف بـ “الغدة الرئيسية” لأنها تنظّم إفراز العديد من الهرمونات. بعض الأورام النخامية قد تزيد من إفراز هرمون ACTH، الذي يحفّز بدوره الغدة الكظرية على إنتاج المزيد من الكورتيزول.
أورام الغدة الكظرية
وجود ورم – سواء حميد أو خبيث – في الغدة الكظرية يمكن أن يؤدي إلى إفراز مفرط للكورتيزول. وفي حالات نادرة، قد يضغط الورم على الأعضاء المجاورة مسببًا ألمًا في البطن أو شعورًا بالامتلاء.
الأدوية الستيرويدية
تناول الكورتيكوستيرويدات لفترات طويلة أو بجرعات عالية – مثل بريدنيزون – يُعد من أكثر الأسباب شيوعًا لارتفاع الكورتيزول الدوائي. من الضروري عدم إيقاف هذه الأدوية فجأة، بل يجب التدرّج تحت إشراف الطبيب.
حالات أخرى
تشمل ما يلي:
-
الحمل: أثناء الحمل، تزداد مستويات الكورتيزول بشكل طبيعي نتيجة تغيرات هرمونية، إلا أن المستويات تعود للوضع الطبيعي بعد الولادة في الحالات الصحية.
-
مشاكل في التمثيل الغذائي أو مقاومة الإنسولين: هذه الحالات تؤثر على توازن الهرمونات في الجسم وقد تترافق مع ارتفاع مزمن في الكورتيزول.
شاهد أيضًا: فن التخلي: كيف تحرر نفسك من الماضي؟
متى يجب زيارة الطبيب؟
إذا لاحظت مجموعة من الأعراض المذكورة أعلاه، فاستشارة الطبيب خطوة ضرورية. سيطلب الطبيب عادةً اختبارات تشمل:
-
تحليل الكورتيزول في الدم والبول خلال 24 ساعة
-
اختبار اللعاب الليلي لمراقبة انخفاض الكورتيزول الطبيعي أثناء الليل
-
تصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لفحص الغدة النخامية أو الكظرية
تشير التوصيات الصادرة عن المبادئ التوجيهية للممارسة السريرية لجمعية الغدد الصماء (بالإنجليزية: Endocrine Society Clinical Practice Guidelines) إلى أهمية إجراء هذه الفحوص في حال الاشتباه بمتلازمة كوشينغ لتجنّب مضاعفات طويلة المدى.
ما هي مضاعفات ارتفاع هرمون التوتر؟
عدم علاج ارتفاع الكورتيزول قد يؤدي إلى:
-
أمراض القلب والشرايين.
-
هشاشة العظام.
-
مقاومة الإنسولين والسكري.
-
اضطرابات النوم والذاكرة.
-
مشاكل في الخصوبة والوظائف الجنسية.
شاهد أيضًا: تمني الموت: هل هو عرض أم مرض نفسي بحد ذاته؟
الخلاصة
ارتفاع هرمون التوتر ليس مجرد نتيجة طبيعية للتوتر، بل قد يكون مؤشرًا على أمراض كامنة تستدعي التشخيص والعلاج. إذا لاحظت علامات مثل زيادة الوزن غير المبررة، التعب المستمر، أو تغييرات سلوكية وعاطفية، فلا تتردد في مراجعة الطبيب. السيطرة على هذا الهرمون تبدأ بالوعي.