يستمر الجدل حول مختلف اللقاحات التي يتلقاها الأطفال، ويتم ربطها باضطراب التوحد، وهو من المواضيع التي أثارت اهتمام الآباء والمجتمع العلمي على حد سواء، ورغم وفرة الدراسات العلمية التي أكدت بطلان هذا الارتباط، فإن تأثير إحدى الدراسات القديمة التي أُجريت في أواخر التسعينيات، ما زال يلقي بظلاله على قرارات بعض العائلات بشأن تطعيم أطفالهم، فهل هناك رابط حقيقي بين اللقاحات والتوحد؟
انضم إلى قناة بابونج المجانية على الواتساب نصيحة صحية يومية للحصول على نصائح طبية متنوعة يومياً.
مفهوم اللقاحات
يُعد التطعيم (بالإنجليزية: Vaccination) من أفضل الوسائل التي تعتمد على مبدأ الوقاية، وحسب منظمة الصحة العالمية يعتبر التطعيم أو تلقي اللقاحات وسيلة فعالة وآمنة لحماية الجسم من الأمراض الخطيرة قبل التعرض لها، فهو يعمل على تعزيز المناعة بشكل طبيعي.
يعتمد مبدأ اللقاحات على تحفيز الجهاز المناعي لإنتاج أجسام مضادة، تمامًا كما يحدث عند التعرض للمرض، لكن على عكس العدوى الحقيقية، تحتوي اللقاحات على نسخ ضعيفة أو ميتة من الفيروسات أو البكتيريا، مما يضمن عدم تسببها بالمرض أو تعريض الشخص لمضاعفات العدوى.
وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، فإن طفلًا واحدًا من بين كل 36 طفلًا تم تشخيصه باضطراب طيف التوحد، ورغم انتشار الجدل حول العلاقة بين اللقاحات والتوحد، فإن الدراسات العلمية الحديثة لها رأي مختلف، لكن يجب أن نتعرف على مفهوم التوحد قبل التعرف على الدراسات التي تربط بين اللقاحات والتوحد.
مفهوم التوحد
يُعرّف اضطراب طيف التوحد (بالإنجليزية: Autism spectrum disorder) بأنه حالة معقدة تؤثر على قدرات التواصل الاجتماعي وتتميز باهتمامات محدودة وسلوكيات متكررة. ويختلف تأثير التوحد من شخص لآخر، حيث قد تتباين احتياجات المساعدة والخدمات بناءً على التحديات التي يواجهها كل فرد.
يتميز التوحد بمجموعة من التحديات المرتبطة بالاتصال والتفاعل مع الآخرين، فضلاً عن سلوكيات واهتمامات محددة ومتكررة. ويختلف تأثير التوحد من شخص لآخر، إذ قد يكون لدى بعض الأفراد تحديات بسيطة، بينما قد يحتاج آخرون إلى دعم مكثف ومتواصل في حياتهم اليومية.
تختلف حدة الأعراض واحتياجات الدعم من شخص لآخر، ومن أعراض التوحد ما يلي:
- تحديات في التواصل غير اللفظي: تشمل تجنب التواصل البصري وصعوبة استخدام الإيماءات للتعبير عن المشاعر أو الاحتياجات.
- اهتمامات محدودة ومركزة: يميل المصابون بالتوحد إلى التركيز الزائد على موضوع معين أو نشاط محدد يسيطر على نشاطاتهم اليومية.
- عدم التكيف مع التغيرات: يواجه المصابون صعوبة في التكيف مع أي تغيير في الروتين اليومي، مما يسبب لهم القلق والانزعاج.
- صعوبة في فهم مشاعر الآخرين: قد يواجه الأطفال المصابون بالتوحد صعوبة في إدراك مشاعر الآخرين أو التفاعل الاجتماعي بشكل طبيعي.
- تعقيد في بناء العلاقات الاجتماعية: تجعل هذه التحديات التفاعل وبناء العلاقات مع الآخرين أمرًا معقدًا وشاقًا.
يعد التشخيص المبكر خطوة مهمة لتقديم الدعم المناسب، إذ يمكن لأولياء الأمور والأطباء ملاحظة العلامات المبكرة للتوحد قبل بلوغ الطفل عمر السنة. ومع ذلك، تصبح الحاجة إلى الدعم والخدمات أكثر وضوحًا مع تقدم الطفل في العمر، خاصة مع دخوله المدرسة وبدء التواصل الاجتماعي مع زملائه.
يعد التوحد حالة مستمرة مدى الحياة، ولكن العلاج والدعم المناسبين يمكن أن يُحسِّنا من جودة حياة المصاب ويعززا استقلاليته، ورغم اعتقاد الكثير بوجود علاقة تربط بين اللقاحات والتوحد، أكدت الدراسات العلمية الموثوقة أن اللقاحات لا علاقة لها بظهور هذا الاضطراب، ما يجعل التركيز على العلاج والدعم هو الخيار الأمثل للأسر.
العلاقة بين اللقاحات والتوحد
بعد سنوات من دحض دراسة مثيرة للجدل حول ارتباط التوحد بلقاحات الأطفال، أكدت العديد من الدراسات الحديثة عدم وجود علاقة مباشرة بين اللقاحات والتوحد، ومن الأمثلة على تلك اللقاحات: لقاح الحصبة، ولقاح النكاف، ولقاح الحصبة الألمانية، فيما يلي أبرز الدراسات العلمية التي تناولت هذا الموضوع:
- دراسة مجلة “ذا لانست” (The Lancet) عام 1998: نشرت مجلة “ذا لانست” البريطانية دراسة تشير إلى وجود صلة بين التوحد ولقاح الحصبة الألمانية، وهو ما أثار قلقاً كبيراً على الرغم من التفاعل الكبير، تبين لاحقاً أن هذه الدراسة تحتوي على أخطاء علمية وتم سحبها رسمياً من المجلة بعد سنوات.
- دراسة علمية عام 1999: بعد عام واحد من نشر الدراسة المثيرة للجدل، نشرت مجلة “ذا لانست” نفسها دراسة وبائية أوسع أثبتت عدم وجود علاقة بين لقاح الحصبة الألمانية وظهور التوحد. هذه الدراسة، التي اعتمدت على عينة أكبر وتحليل دقيق، قدمت دليلًا قويًا ضد الفرضية المثيرة للجدل.
- دراسة ” الطب الداخلي” (Annals of Internal Medicine) عام 2019: من خلال تحليل بيانات 650,000 طفل، أكدت هذه الدراسة عدم وجود أي دليل على أن لقاح الحصبة الألمانية يزيد من خطر الإصابة بالتوحد أو يسبب أعراضًا لدى الأطفال المعرضين للإصابة. وقد خلص الباحثون إلى أنه لا علاقة بين التطعيم وظهور أعراض التوحد.
تلخص هذه الدراسات الدليل العلمي القوي الذي ينفي أي صلة بين اللقاحات والتوحد، خصوصًا لقاح الحصبة الألمانية وظهور التوحد، مؤكدةً على أهمية التفريق بين مخاوف التطعيم والحقائق الطبية المعتمدة.
هل يمكن الوقاية من التوحد؟
بعد إنهاء الجدل حول اللقاحات والتوحد بالدراسات العلمية الموثوقة، قد يتبادر إلى ذهنك سؤال: “هل يمكن الوقاية من التوحد؟” في الحقيقة، لا توجد طريقة مؤكدة للوقاية من التوحد، لكن يمكن للأم الحامل تعزيز فرص إنجاب طفل بصحة جيدة من خلال اتباع نصائح صحية أساسية، تشمل ما يلي:
- إجراء الفحوصات الطبية الدورية للحفاظ على صحة الأم والجنين.
- تناول وجبات غذائية متوازنة غنية بالعناصر الغذائية الضرورية.
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام لتعزيز صحة الجسم.
- الحصول على رعاية طبية جيدة قبل الولادة وأخذ الفيتامينات والمكملات الغذائية الموصى بها.
- تجنب تناول الأدوية أثناء الحمل إلا بعد استشارة الطبيب المختص.
- الامتناع عن تناول الكحول أو التدخين طوال فترة الحمل.
- السيطرة على الحالات الصحية المزمنة، مثل السيلياك أو الفينيل كيتونوريا، بعد الاستشارة الطبية.
ختاماً، نلاحظ غياب أي علاقة تربط بين اللقاحات والتوحد في مرحلة الطفولة، حيث يعتبر التوحد حالة معقدة تؤثر على نمو الطفل وتطوره وتواصله مع الآخرين تختلف الأسباب والأعراض تبعاً للحالة، وقد تكون أسباب وراثية وأخرى بيئية، لكن اللقاحات ليست من ضمنها.