في حادثة مؤلمة هزّت المجتمع الجامعي في ولاية ويسكونسن الأميركية، فقدت الطالبة الجامعية هانا جلاس، البالغة من العمر 19 عاماً، حياتها بعد تناولها قطعة “براونيز” أُهديت إليها بنيّة طيبة، لكنها كانت تحمل في طياتها مكوّناً قاتلاً: دقيق الفول السوداني المحمّص، وهو أحد البدائل الشائعة في المخبوزات الخالية من الغلوتين.
توفيت هانا بعد خمسة أيام من صراع مرير مع مضاعفات الحساسية الشديدة، رغم سرعة التدخل الطبي واستخدام حقنة الأدرينالين. لكن هذه القصة لم تنتهِ عند هذا الحد، بل تحوّلت إلى دعوة عالمية للتحذير من التهديدات غير المرئية في الأطعمة اليومية، حتى تلك المُعدّة بحسن نية.
انضم إلى قناة بابونج المجانية على الواتساب نصيحة صحية يومية للحصول على نصائح طبية متنوعة يوميًا.
حساسية الطعام
ليست كل الوجبات بريئة، فبعضها قد يخفي خلف طعمه اللذيذ خطرًا قاتلًا، كما في حالات حساسية الطعام (بالإنجليزية: Food-induced Anaphylaxis) التي تصيب الملايين حول العالم. هذه الحساسية هي استجابة مفرطة من جهاز المناعة لمادة غذائية يراها الجسم تهديدًا، وغالبًا ما تكون البروتينات الموجودة في المكسرات أو الحليب أو البيض أو القمح أو المأكولات البحرية. ما يميز هذه الحالة عن التحسس البسيط هو سرعة تطورها وخطورتها، حيث يمكن أن تبدأ الأعراض بثوانٍ بعد التعرض للطعام، وتشمل الحكة، تورم الوجه، صعوبة في التنفس، آلامًا حادة في البطن، وقد تنتهي بصدمة تأقية مهددة للحياة.
المقلق أكثر هو أن بعض المكونات، مثل دقيق الفول السوداني المحمص، تُستخدم أحيانًا في وصفات “خالٍ من الغلوتين” دون أن يعرفها الأشخاص العاديون أو حتى من أعدوها. هذا ما حدث تمامًا مع هانا جلاس، التي لم تكن تدري أن البراونيز الذي قُدم لها يحتوي على هذه المادة القاتلة. وفقًا للأكاديمية الأميركية للحساسية والربو والمناعة (AAAAI)، فإن حساسية الفول السوداني وحدها مسؤولة عن غالبية حالات الوفاة الناتجة عن الطعام في الولايات المتحدة، ما يعزز الحاجة للتوعية الدقيقة بكل مكون يدخل في أطباقنا اليومية.
شاهد أيضًا: اليوغا والتأمل ما الفرق بينهما، وما فوائدهما؟
مأكولات “بريئة” قد تكون مميتة
الحساسية الغذائية هي استجابة مناعية مفرطة تجاه بروتين معين موجود في بعض الأطعمة. ووفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، تؤثر الحساسية الغذائية على أكثر من 32 مليون شخص في الولايات المتحدة وحدها، ويُعتبر الفول السوداني أحد أكثر المحفزات شيوعاً وخطورة.
يؤكد الخبراء أن حتى كمية ضئيلة جداً من مسببات الحساسية، كآثار الفول السوداني، يمكن أن تسبب صدمة تأقية (بالإنجليزية:anaphylaxis)، وهي حالة طبية طارئة قد تؤدي إلى الوفاة خلال دقائق إذا لم تعالج بشكل فوري.
مكونات غير مرئية قد تكون قاتلة
يُستخدم دقيق الفول السوداني المحمّص كمكوّن في وصفات عديدة خالية من الغلوتين، لكن طعمه الخفيف وقوامه المختلف عن زبدة الفول السوداني التقليدية قد يُخفي وجوده عن ذوي الحساسية.
والد هانا، ديفيد جلاس، أوضح أن ابنته لم تكن لتشكّ في أن قطعة الحلوى تحتوي على هذا المكوّن، مما جعلها تتناولها دون تردد، رغم وعيها الدقيق بمشكلتها الصحية.
شاهد أيضًا: فوائد ممارسة اليوغا يوميًا للصحة العقلية والجسدية
كيف تطورت المأساة؟
بعد تناول القطعة الثانية من البراونيز، بدأت هانا تشعر بأعراض التحسس: قيء، طفح جلدي، ضيق تنفس. سارعت لتناول مضاد الهستامين “بينادريل”، لكنها سرعان ما فقدت الوعي، وانهارت إحدى رئتيها.
رغم استخدام حقنة الإبينفرين ووصول المسعفين بسرعة، توقف قلبها لمدة أربع دقائق، ما أدى إلى تلف دماغي حاد بسبب نقص الأكسجين.
نُقلت إلى مستشفى فرويدرت، حيث وضعت على جهاز التنفس الصناعي. وبعد خمسة أيام من محاولة إنقاذ حياتها، فارقت الحياة في العاشر من نوفمبر، محاطة بأسرتها.
من المأساة إلى رسالة إنسانية
تحولت عائلة هانا إلى صوت صارخ يدعو إلى الوعي الجماعي بالحساسية الغذائية. ينادون كل من يعدّ طعامًا للغير بأن يتحقق من المكونات، ويعلم تمامًا مدى خطورة المواد التي قد تكون مميتة لغيره، حتى وإن كانت طبيعية أو شائعة.
كما شدّدوا على ضرورة أن يحمل من يعاني من الحساسية حقنة أدرينالين محدثة معه دائمًا، وعدم التهاون بأي عرض، ولو بسيط.
شاهد أيضًا: من التوتر إلى التوازن: أقوى تطبيقات التأمل واليقظة الذهنية بين يديك الآن!
دروس لا بد أن نتعلمها
بحسب الأكاديمية الأميركية للحساسية والربو والمناعة، فإن أكثر من 50% من الحالات الحادة سببها تناول طعام لم يكن من المفترض تناوله، أو سوء فهم للمكوّنات، وفيما يلي بعض النقاط الرئيسية التي يجب أن نتعلمها:
- التثقيف الغذائي حول المكونات البديلة الشائعة: على سبيل المثال، قد لا يدرك العديد من الناس أن دقيق الفول السوداني المحمص يستخدم في وصفات خالية من الغلوتين، مما يشكل خطرًا على الأشخاص الذين يعانون من حساسية الفول السوداني.
- وضع ملصقات دقيقة وواضحة على الأطعمة: يجب أن تكون الملصقات الغذائية أكثر وضوحًا وشفافية، لا سيما في المناسبات غير التجارية مثل التجمعات الاجتماعية أو المهرجانات التي لا تخضع للرقابة الصارمة للمؤسسات الغذائية. يجب أن تكون المكونات مدونة بشكل دقيق، مع التأكيد على وجود المواد المسببة للحساسية مثل الفول السوداني أو المكسرات أو الحليب. ملصقات واضحة يمكن أن تكون فرقًا حاسمًا بين الحياة والموت لشخص يعاني من الحساسية المفرطة.
- التدريب على الإسعافات الأولية الخاصة بالحساسية: في حالات الطوارئ مثل هذه، فإن التدريب على الإسعافات الأولية يمكن أن ينقذ الأرواح. ينبغي على الأفراد، وخاصة أولئك الذين يتعاملون مع أشخاص قد يكون لديهم حساسية غذائية شديدة، أن يتعلموا كيفية استخدام إيبينفرين بشكل صحيح، وكيفية التعرف على أعراض الصدمة التأقية والتصرف بسرعة.
الخلاصة
قصة هانا جلاس لم تكن مجرد حادثة فردية، بل صرخة مدوية تذكّرنا بأن حساسية الطعام ليست مزحة، وأن الجهل أو الإهمال في معرفة المكوّنات قد يُكلف الحياة. فتاة في مقتبل العمر، فقدت حياتها بسبب “براوني” بدا بريئًا، لكنه احتوى على مادة قاتلة لجسدها الحساس. في عالم يزداد فيه الاعتماد على الأطعمة البديلة والمكونات غير التقليدية، يصبح الوعي والمساءلة ضرورة لا ترفًا.
إن معرفة ما نأكله، والتأكد من مكوناته، واحترام من يعانون من حساسيات غذائية ليست فقط مسؤولية فردية، بل التزام مجتمعي وأخلاقي. وبينما رحلت هانا، فإن صوتها ما زال حيًا من خلال الدروس التي نحتاج جميعًا أن نتعلّمها – من أجل أن لا يُفقد أحد آخر حياته بسبب لقمة واحدة.