تمرّ الحياة بلحظات صعبة قد تترك بصمة عاطفية لا تُنسى، فالبعض يتجاوز الصدمات سريعًا بينما يظل آخرون عالقين في ذكريات مؤلمة يصعب محوها. هنا تبرز أهمية ممارسة التمارين الرياضية بانتظام ليس فقط للحفاظ على اللياقة البدنية، بل أيضًا لدعم الصحة النفسية وتخفيف آثار الصدمات.
انضم إلى قناة بابونج المجانية على الواتساب نصيحة صحية يومية للحصول على نصائح طبية متنوعة يوميًا.
الصدمات النفسية وارتباطها بالذاكرة
عندما نتعرض لمواقف مخيفة أو صادمة، لا يقتصر أثرها على اللحظة نفسها، بل قد يرافقنا طويلًا في شكل ذكريات مؤلمة أو اضطرابات مزاجية. هنا يصبح البحث عن وسائل مساعدة أمرًا ضروريًا، ويُظهر العلم أن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام يمكن أن تكون جزءًا من خطة التعافي.
-
تشير تقديرات المركز الوطني لاضطراب ما بعد الصدمة (NCPTSD) إلى أنّ نحو 7 أو 8 من كل 100 شخص قد يواجهون اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) في مرحلة ما من حياتهم.
-
هذا الاضطراب لا يقتصر على الذكريات، بل يرافقه قلق، توتر، وأحيانًا تقلبات مزاجية حادة.
-
هنا يأتي دور ممارسة التمارين الرياضية بانتظام كعامل واقٍ يساعد الدماغ على التعامل مع تلك التجارب المؤلمة بشكل أكثر مرونة.
اقرأ أيضًا: 5 عادات صحية يومية أبدا بها يومك ستغير حياتك بأكملها
21 دقيقة قد تُغيّر دماغك
قد يبدو من الصعب تصديق أن دقائق قليلة من النشاط البدني يمكن أن تؤثر على الدماغ، لكن الأبحاث أثبتت العكس. إن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام حتى لمدة قصيرة يوميًا، قادرة على إحداث تغييرات عصبية عميقة تساعد في تخفيف وطأة الذكريات الصادمة.
-
بحسب دراسة حديثة نُشرت عام 2024 في مجلة الطب النفسي الجزيئي، فإن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام لمدة 21 دقيقة يوميًا تدعم نمو الخلايا العصبية في الحُصين، وهو الجزء المسؤول عن الذاكرة والتعلّم.
-
هذا النمو العصبي يساعد في “إضعاف” مسارات الذاكرة المرتبطة بالخوف، ما يعني أن الذكريات المؤلمة تفقد تدريجيًا حدتها العاطفية.
-
اللافت أن الأمر لا يتعلّق ببناء العضلات أو تحسين الأداء البدني فقط، بل بإعادة برمجة العقل للتعامل مع الألم النفسي.
كيف تساعد التمارين على التعافي؟
التعافي النفسي ليس مجرد كلام نظري، بل هو عملية حيوية يمكن دعمها من خلال خطوات عملية. ومن أبرزها ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، التي أثبتت الدراسات أنها قادرة على تحسين كيمياء الدماغ وتخفيف الأعراض المرتبطة بالصدمة.
-
ممارسة التمارين الرياضية بانتظام تُحفّز الدماغ على تكوين روابط جديدة، مما يسهل عملية “إعادة التعلم” ونسيان الأنماط المرتبطة بالصدمة.
-
التمارين الهوائية مثل المشي السريع أو الركض أو ركوب الدراجة ترفع معدّل تدفق الدم إلى الدماغ، ما يُعزز من إفراز مواد كيميائية مثل الإندورفين والدوبامين التي تحسّن المزاج.
-
على المدى الطويل، تُقلّل هذه العادة من الأعراض المصاحبة لاضطراب ما بعد الصدمة مثل الذكريات المتطفلة والأفكار السلبية.
اقرأ أيضًا: أيهما أفضل لإنقاص الوزن.. هل المشي قبل تناول الطعام أم بعده؟
خطوات عملية للبدء
قد يتساءل البعض: كيف أبدأ؟ الإجابة بسيطة، المهم أن تكون البداية تدريجية وقابلة للاستمرار. إن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام لا تعني بالضرورة الانضمام إلى نادٍ رياضي أو اتباع برنامج شاق، بل يكفي اختيار نشاط يناسبك وتحويله إلى عادة يومية.
-
خصّص 20 إلى 30 دقيقة يوميًا لأنشطة بسيطة مثل: المشي السريع، أو اليوغا أو تمارين التمدّد، أو ركوب الدراجة أو الركض الخفيف.
-
الأهم هو الاستمرارية؛ فالفائدة لا تتحقق من حصة واحدة فقط، بل من ممارسة التمارين الرياضية بانتظام وتحويلها إلى أسلوب حياة.
نصائح للاستمراية في ممارسة التمارين الرياضية
الخطوة الأصعب ليست البدء، بل الاستمرار. كثيرون يبدأون بحماس لكنهم يتوقفون بعد أيام أو أسابيع. هنا يأتي دور بعض الاستراتيجيات البسيطة التي تساعدك على جعل ممارسة التمارين الرياضية بانتظام جزءًا طبيعيًا من روتينك اليومي:
-
ابدأ بخطوات صغيرة: لا تشترط ساعة كاملة من التمرين، يكفي 15–20 دقيقة يوميًا لتكوين عادة مستدامة.
-
حدد وقتًا ثابتًا: اختيار وقت محدد مثل الصباح الباكر أو بعد العمل يساعد الدماغ على الربط بين التوقيت والنشاط.
-
اختر نشاطًا تحبه: من أسهل الطرق للالتزام بـ ممارسة التمارين الرياضية بانتظام أن تختار رياضة تستمتع بها مثل المشي، الرقص، أو ركوب الدراجة.
-
استعن بشريك تمرين: وجود صديق أو فرد من العائلة يشاركك النشاط يعزز الدافعية ويقلل احتمالية التوقف.
-
سجّل تقدمك: متابعة عدد الأيام أو دقائق التمرين تعطي شعورًا بالإنجاز وتحفّزك على الاستمرارية.
-
كافئ نفسك: اربط التمرين بمكافأة صغيرة مثل مشاهدة فيلم مفضل أو كوب عصير صحي بعد الانتهاء.
الخلاصة
قد لا نستطيع محو التجارب المؤلمة من ذاكرتنا، لكن يمكننا تغيير الطريقة التي نتفاعل بها معها. تشير الأبحاث الحديثة إلى أن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام ليست مجرد وسيلة لتحسين اللياقة البدنية، بل أداة قوية لدعم الدماغ في التخلص من آثار الصدمات. خطوة صغيرة يوميًا قد تُعيد رسم ملامح حياتك من جديد.