تعتبر محبة الأم لأطفالها أمرًا غريزيًا ومسلمًا به، فهي العطاء والحنان والمحبة غير المشروطة، وهي الملاذ الآمن للطفل في كل حين. لكن قد تزيد محبة الأم لابنها الذكر عن حدها في بعض الأحيان لتصبح هوسًا مرضيًا، وتسبب العديد من المشاكل لها ولأطفالها. تعرف في هذا المقال على عقدة جوكاست وأهم علاماتها.
انضم إلى قناة بابونج المجانية على الواتساب نصيحة صحية يومية للحصول على نصائح طبية متنوعة يوميًا
ما هي عقدة جوكاست؟
عقدة جوكاست (بالإنجليزية: Jocasta Complex) هي مصطلح في علم النفس يستخدم لوصف نمط نفسي غير واعٍ عند بعض الأمهات، يتمثل في ارتباط عاطفي مفرط أو تملك نفسي تجاه الابن الذكر. سميت بهذا الاسم نسبة إلى “جوكاستا”، والدة أوديب في الأسطورة الإغريقية، التي تزوجت ابنها دون أن تدري أنه ابنها الحقيقي. لا يشير المصطلح إلى علاقة جسدية، بل إلى علاقة نفسية معقدة قد تتسم بالسيطرة أو الغيرة من العلاقات العاطفية التي يدخلها الابن مع النساء الأخريات. في بعض الحالات، قد تسعى الأم بشكل غير واعٍ إلى إبقاء ابنها قريبًا منها عاطفيًا، مانعةً إياه من الاستقلال النفسي والنضج العاطفي الكامل.
يعد هذا الارتباط المفرط أحد أشكال التعلق غير الصحي الذي قد يؤثر سلبًا في شخصية الابن، حيث يمكن أن يؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس، أو صعوبة بناء علاقات مستقلة وناضجة في المستقبل. ويلاحظ أن هذه الديناميكية تنشأ عادة في بيئات يغيب فيها الأب أو يكون دوره ضعيفًا، مما يدفع الأم لملء هذا الفراغ العاطفي. تتطلب معالجة مثل هذه الحالة وعيًا بالعلاقة العاطفية بين الأم والابن، وعملًا نفسيًا يهدف إلى تصحيح الحدود العاطفية وتعزيز الاستقلالية والتوازن في العلاقات الأسرية.
اقرأ أيضًا: العقد النفسية: جذور خفية تتحكم بحياتنا دون أن نشعر

ما هي الأسباب؟
تعد عقدة جوكاست من الاضطرابات النفسية المعقدة، التي تنشأ غالبًا نتيجة تفاعل عوامل عاطفية، وتربوية، ونفسية متشابكة. لا تظهر هذه العقدة فجأة، بل تتكون تدريجيًا نتيجة أنماط تربوية غير متوازنة أو احتياجات عاطفية غير مشبعة. في معظم الحالات، يكون الدافع غير واعٍ لدى الأم، إذ تحاول تعويض نقص داخلي أو شعور بالوحدة من خلال علاقة مفرطة الارتباط بابنها الذكر. ويمكن تلخيص أبرز أسباب عقدة جوكاست فيما يلي:
- غياب الزوج أو ضعفه العاطفي: يؤدي غياب الأب جسديًا أو عاطفيًا إلى شعور الأم بالفراغ العاطفي، فتلجأ دون وعي إلى ملئه من خلال التعلق المفرط بابنها.
- الحرمان العاطفي أو التجارب الصادمة: قد تنشأ العقدة نتيجة تجارب سابقة من الرفض أو الإهمال، فتسعى الأم لتعويض هذا النقص عبر علاقة تملكية مع الابن.
- الخوف من الفقدان أو الوحدة: تطور بعض الأمهات ارتباطًا مرضيًا خوفًا من ابتعاد الأبناء عند النضج أو الزواج.
- غياب الحدود التربوية السليمة: عندما لا ترسخ الحدود النفسية والعاطفية بين الأم والابن منذ الصغر، تتشكل علاقة اعتمادية يصعب الفصل فيها بين الحماية والسيطرة.
- اضطرابات الشخصية أو القلق: قد تسهم بعض الاضطرابات النفسية مثل القلق أو اضطراب الشخصية الاعتمادية في تعزيز هذا النمط من التعلق المرضي.
اقرأ أيضًا: عقدة الظهور: الوجه الخفي لهوس الأضواء في عصر السوشيال ميديا!

هل توجد أعراض وعلامات مميزة؟
تظهر أعراض عقدة جوكاست على الأم في شكل أنماط سلوكية وعاطفية غير متوازنة تعكس تعلقًا مفرطًا بالابن وصعوبة في الفصل بين دور الأم ودور الشريك العاطفي. غالبًا ما تكون هذه الأعراض غير واعية، إذ تعتقد الأم أنها تمارس حماية طبيعية، بينما في الواقع تتجاوز الحدود الصحية للعلاقة. من أبرز الأعراض والعلامات التي قد تشير إلى وجود اضطراب جوكاست ما يلي:
- غيرة الأم من العلاقات العاطفية للابن، خصوصًا عندما يبدأ في الارتباط أو الزواج، إذ تشعر بالتهديد وكأنها تفقد مكانتها لديه.
- التدخل المفرط في حياة الابن الشخصية ومحاولة التحكم بقراراته الدراسية أو المهنية أو العاطفية بحجة الخوف عليه.
- الاعتماد العاطفي الزائد، حيث تشعر الأم بالفراغ أو القلق عند غياب الابن أو انشغاله عنها.
- محاولة إضعاف شخصية الابن دون وعي للحفاظ على حاجته المستمرة إليها، عبر المبالغة في الحماية أو النقد المستمر لشركائه المحتملين.
- صعوبة إقامة علاقات اجتماعية متوازنة خارج نطاق الأسرة، إذ تتركز طاقتها العاطفية كلها في علاقة واحدة متمحورة حول الابن.
لا تعبر هذه السلوكيات بالضرورة عن نية سلبية، بل عن اضطراب في الوعي العاطفي والحدود النفسية، وغالبًا ما تحتاج إلى تدخل نفسي يساعد الأم على استعادة التوازن بين الحب والرعاية، دون التملك أو الاعتماد المرضي.
اقرأ أيضًا: عقدة الإيذاء: لماذا يجد البعض لذة في تخريب الأشياء وإيذاء الآخرين؟

أفضل طرق العلاج
يتطلب علاج عقدة جوكاست وعيًا عميقًا بطبيعة العلاقة بين الأم والابن، وإدراكًا بأن هذا الارتباط المفرط ليس حبًا صحيًا، بل شكل من أشكال الاعتمادية العاطفية. تبدأ عملية العلاج عادةً بالاعتراف بوجود المشكلة، ثم العمل على تصحيح الحدود النفسية والعاطفية داخل الأسرة. من أبرز طرق علاج عقدة جوكاست ما يلي:
- العلاج النفسي الفردي: يهدف إلى مساعدة الأم على فهم دوافعها اللاواعية، ومعالجة مشاعر النقص أو الخوف من الفقد التي تقف وراء التعلق الزائد بالابن.
- العلاج الأسري أو المشترك: يستخدم لتوضيح الأدوار داخل العائلة وإعادة التوازن في العلاقات، بحيث يستعيد الابن استقلاله العاطفي تدريجيًا دون شعور بالذنب.
- تعزيز الوعي الذاتي: من خلال ممارسة تمارين التأمل والكتابة العلاجية أو الحوار مع مختص نفسي، لتتعرف الأم على احتياجاتها الخاصة بعيدًا عن دورها كأم.
- بناء حياة شخصية مستقلة: يشجع على تطوير الهوايات والعلاقات الاجتماعية خارج نطاق الأسرة؛ لتقليل الاعتماد النفسي على الابن كمصدر وحيد للإشباع العاطفي.
- العلاج السلوكي المعرفي (بالإنجليزية: Cognitive behavioral therapy): يساعد في تعديل الأفكار الخاطئة حول التملك والحماية المفرطة، واستبدالها بأنماط تفكير أكثر واقعية وتوازنًا.
إن تجاوز عقدة جوكاست لا يتحقق بالانفصال الجسدي فقط، بل بإعادة بناء هوية نفسية متوازنة، تسمح للأم بحب ابنها من موقع النضج والوعي، لا من موقع الخوف أو الاحتياج.
اقرأ أيضًا: حين يكره الإنسان نجاح أخيه.. ماذا تعرف عن عقدة قابيل؟

الخاتمة:
تعتبر عقدة جوكاست معاكسة لعقدة أوديب، حيث يصبح حب الأم لابنها مرضيًا وغير صحي على الإطلاق، وتميل للغيرة عليه من علاقاته العاطفية ومحاولة السيطرة عليه وعلى حياته. قد تصاب الأم بهذه العقدة نتيجة عوامل نفسية واجتماعية وعاطفية معقدة. يمكن علاج الاضطراب بالاعتراف بالمشكلة أولًا، ثم محاولة تصحيح الحدود العاطفية بين الأم وابنها لتحقيق التوازن الصحي في العلاقة بينهما.
ملخص المقال بالذكاء الاصطناعي