ينتشر اضطراب الوسواس القهري في كافة أنحاء العالم، وتتساوى نسبة الإصابة فيه بين الذكور والإناث، ويخطئ العديد من الناس في نظرتهم إليه، إذ يعتبره البعض سلوكًا إيجابيًا، كون المصاب يغسل يديه بشكل دوري ومتكرر مثلًا، أو يتفقد الكثير من الأمور حوله، أو يعيد ترتيبها.
مرض الوسواس القهري يشكل عائقًا للمصاب في حياته، ويصبح في مراحل متقدمة خطرًا مدمرًا له، في هذا المقال سنتعرف على الوسواس القهري، وأهم أسبابه وأنواعه، وكيفية تشخصيه.
انضم إلى قناة بابونج المجانية على الواتساب نصيحة صحية يومية للحصول على نصائح طبية متنوعة يوميًا.
ما هو اضطراب الوسواس القهري؟
يعد الوسواس القهري (بالإنجليزية: Obsessive-Compulsive Disorder) اضطرابًا نفسيًا مزمنًا، إذ يسيطر القلق على المصاب به، ويكون لديه إما أفكار لا يمكنه التوقف عنها أو التخلص منها -وهذا يعرف بالهاجس- أو سلوكيات يشعر بالرغبة في تكرارها مُكرهًا، وتعرف بالعادات القسرية، فكلما سعى للتخلص منها زادت نسبة قلقه.
أسباب الإصابة بالمرض
تختلف أسباب اضطراب الوسواس القهري من شخص لآخر، وتنقسم اسباب الوسواس إلى ستة أسباب رئيسة، هي:
أسباب وراثية
يصنف مرض الوسواس على أنه مرض وراثي، إذ تزداد نسبة الإصابة به كثيرًا حينما يكون أحد الأقارب من الدرجة الأولى مصابًا، وتقترح بعض الدراسات أن وظيفة الدماغ للمصاب تختلف عن غير المصاب؛ لأن الجينات المؤثرة في الناقلات العصبية -الدوبامين والسيروتونين- تمثل دورًا في ظهور أعراض الوسواس القهري النفسية والجسدية لأنها توعز هذا الاختلاف لوجود خلل جيني.
أسباب عصبية
إذ يملك الأشخاص المصابون بهذا المرض النفسي دائرة عصبية مفرطة النشاط في منطقة الفص الجبهي؛ مما يؤثر على عملية اتخاذ القرارات، وأظهرت تقنيات مسح الدماغ وجود اختلاف في بعض أجزائه بين المصابين والمعافين، إضافة إلى أن اختلال المواد الكيميائية في الدماغ كالسيروتونين والجلوتامات يمكن أن يلعب دورًا في ذلك.
أسباب مناعية
هناك دراسات حديثة تشير إلى وجود عوامل مناعية قد تساهم في الإصابة باضطراب الوسواس القهري (OCD)، خاصة عند بعض الحالات التي تظهر فجأة بعد عدوى أو التهاب. ومن أبرز الأسباب المناعية المحتملة:
-
الالتهابات المناعية في الدماغ: يعتقد أن خللًا في الجهاز المناعي قد يؤدي إلى مهاجمة مناطق معينة في الدماغ مثل العقد القاعدية (Basal Ganglia)، مما يؤثر على تنظيم الأفكار والسلوكيات.
-
العدوى البكتيرية (الستربتوكوك): هناك متلازمة تُعرف باسم PANDAS (اضطرابات المناعة العصبية النفسية لدى الأطفال المرتبطة بعدوى العقديات)، حيث يؤدي الالتهاب المناعي الناتج عن العدوى ببكتيريا Streptococcus إلى ظهور مفاجئ لأعراض اضطراب الوسواس القهري أو التشنجات اللاإرادية عند الأطفال.
-
الخلل في السيتوكينات (Cytokines): ارتفاع بعض المواد المناعية (السيتوكينات) قد يؤثر على التواصل العصبي ويحفّز ظهور أعراض الوسواس القهري.
-
ضعف الحاجز الدموي الدماغي (Blood-Brain Barrier): أي خلل يسمح بدخول أجسام مناعية أو التهابات إلى الدماغ قد يؤدي إلى تغيّرات في الوظائف العصبية المرتبطة بالوسواس.
-
الاستعداد الجيني المناعي: بعض الجينات المرتبطة بتنظيم الاستجابة المناعية قد تزيد من احتمالية الإصابة بالمرض عند التعرّض لمحفزات بيئية مثل العدوى أو الضغوط النفسية.
أسباب سلوكية
عندما يرتبط الخوف لدى الأشخاص بشيء أو موقف ما، فإنه سيولد سلوكيات لديهم، ويصبحوا مهوسين بأدائها إما لتجنب هذه المواقف أو لتخفيض نسبة الخوف.
أسباب معرفية
تتلخص في إساءة فهم الأشخاص المصابين بالوسواس لأفكارهم، وإعطائها الكثير من الأهمية؛ فالبشر جميعًا يتعرضون لأفكار سلبية أو اعتقادات مبالغ فيها، لكن المصابين بالوسواس تصبح تلك الأفكار بالنسبة لهم ملحة ومرضية.
أسباب بيئية
تلعب البيئة المحيطة بالشخص دورًا كبيرًا في زيادة نسبة إصابته باضطراب الوسواس القهري، إذ يمكن للشخص أن يكتسبها كعدوى من محيطه، إضافة إلى أن أسباب إصابة العديد من الأطفال والمراهقين تركزت في التعرض لرضوض في الدماغ، أو لصدمة نفسية.
أعراض الوسواس القهري النفسية والجسدية
إليك أبرز علامات المرض النفسية والجسدية:
الأعراض النفسية
- أفكار متكررة ومزعجة (وساوس): مثل الخوف من التلوث، الشك المستمر، أو أفكار عدوانية.
- سلوكيات قهرية: القيام بأفعال متكررة بشكل مبالغ فيه مثل غسل اليدين، العدّ، أو التأكد المتكرر من الأشياء.
- القلق والتوتر المستمر: صعوبة التخلص من القلق حتى بعد القيام بالسلوك القهري.
- انشغال ذهني دائم: استغراق ساعات يوميًا في الوساوس والطقوس القهرية.
- الشعور بالذنب أو الخوف: من فقدان السيطرة أو إلحاق الأذى بالنفس أو الآخرين.
- ضعف التركيز والانتباه: بسبب سيطرة الأفكار المتكررة على الذهن.
الأعراض الجسدية
- الإرهاق الجسدي: نتيجة تكرار الأفعال القهرية أو قلة النوم.
- مشكلات في الجلد: مثل التهابات وجفاف اليدين بسبب الغسل المتكرر.
- آلام في العضلات أو المفاصل: بسبب التوتر المستمر أو الطقوس المتكررة.
- اضطرابات النوم: أرق، صعوبة في الاستغراق بالنوم أو الاستيقاظ المتكرر.
- صداع متكرر: نتيجة القلق والتوتر النفسي المزمن.
- اضطرابات في الجهاز الهضمي: مثل القولون العصبي أو آلام المعدة الناتجة عن التوتر.
شاهد أيضًا: اضطراب تشوه الجسم: المعركة النفسية مع المرآة
أنواع الوسواس
يعتقد العديد من الناس أن اضطراب الوسواس القهري يقتصر فقط على النظافة، في حين ينقسم هذا الاضطراب إلى عدة أنواع يمكن تمييزها بشكل واضح، ومن أنواع الوسواس القهري التالي:
وسواس الأمان
يشعر مصاب اضطراب الوسواس القهري بالخوف من وقوع أي طارئ أو ضرر؛ لذلك يقوم بتفحص العديد من الأمور بشكل متكرر للاطمئنان؛ مما قد يجعله يتأخر في بعض الأحيان عن أعماله وأداء واجباته، مثل: غلق الأبواب والنوافذ ومقابض فرن الغاز أو الفرن الكهربائي، وصنابير المياه، والسيارة، والأجهزة الكهربائية، وأضواء المنزل والشموع، ومحفظة النقود.
وسواس النظافة
من أكثر الأنواع التي نصادفها في حياتنا اليومية، ويكون الشخص في حالة خوف دائم من الأوساخ والتلوث بعد أداء بعض الأمور، منها: المصافحة، ولمس مقابض الباب، واستخدام الهواتف العامة، وعقب دخول المشافي، وفي حال تناول الطعام بالأماكن العامة، واستخدام الملابس أو المال.
يشعر مريض الوسواس القهري أن ذلك ممكن أن يسبب له أو لغيره الأذى، فيغسل وينظف عدة مرات حتى يشعر أنه أصبح نظيفًا، وتتركز مخاطر هذا الوسواس في أن الشخص يمكن أن يصاب بأمراض جلدية بسبب استخدام المعقمات ومواد التنظيف بكثرة.
وسواس الترتيب والتنظيم
يكون مصاب هذا النوع في حالة قلق دائم من ألا يكون كل شيء حوله مرتباً ومنظماً، مثل: الملابس، والكتب والأقراص المدمجة، والصور، والعلب، ويقضي الكثير من الوقت في ترتيب الأشياء وإعادة تنظيمها؛ مما يؤدي لإضاعة الكثير من الوقت، وقد يؤثر على علاقاته مع محطيه، كونهم لا يجدوا أي أهمية أو ضرورة لهذا الترتيب.
وسواس التخزين
في هذا النوع من الوسواس القهري يكون الشخص غير قادر على التخلص من الممتلكات عديمة الفائدة أو البالية، ويشعر أنه سيحتاجها يومًا ما، ويسعى للاحتفاظ بالمزيد منها، وغالباً ما يحدث ذلك بطريقة فوضوية.
الوسواس القهري الجنسي
يعاني المصاب باضطراب الوسواس القهري الجنسي من إدمان الجنس، والانشغال المفرط بالتخيلات الجنسية والمثيرات، وتصبح السلوكيات الجنسية أساسية في حياته، ويصعب السيطرة عليها، كما يمكن أن تؤدي إلى فقد الثقة بالنفس وبالآخرين، وتعرضه لمشكلات صحية، إضافة إلى مشكلات في علاقاته مع محيطه وقدرته على العمل.
تشخيص الاضطراب الوسواسي
عند تشخيص المرض وإقرار الإصابة به، يجب أن تكون أعراض اضطراب الوسواس القهري ظاهرة ومستمرة مدة أسبوعين متتاليين على الأقل، وأن يكون ذلك سببًا في حدوث الكثير من المشكلات بالمحيط الاجتماعي، ويشخص هذا الاضطراب بعدة خطوات، نوضحها كالتالي:
- الفحص النفسي: يتضمن مناقشة الأفكار التي تراود المريض ومشاعره وأنماط سلوكه خلال اليوم، وقد يتطلب هذا الأمر التحدث إلى عائلته أو أصدقائه.
- الفحص الجسدي: يُجرى هذا الفحص للمساعدة في استبعاد مشكلات أخرى قد تكون متسببة في ظهور الأعراض، والتحقق من عدم وجود أي مضاعفات ذات صلة.
- معايير تشخيص اضطراب الوسواس القهري: يستخدم الطبيب المختص معايير الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) المنشور من قبل جمعية الطب النفسي الأميركية (بالإنجليزية: American psychiatric association).

طرق العلاج
يعتمد علاج اضطراب الوسواس القهري عادة على الدمج بين العلاج النفسي و العلاج الدوائي، وفي بعض الحالات يمكن استخدام طرق أخرى متقدمة، منها نذكر التالي:
العلاج النفسي (العلاج السلوكي المعرفي – CBT)
- التعرض ومنع الاستجابة (ERP): وتعد تلك الطريقة هي الأكثر فعالية، حيث يتعلم المريض مواجهة الأفكار الوسواسية أو المواقف المقلقة دون اللجوء للسلوك القهري.
- العلاج المعرفي: يركز على تعديل الأفكار السلبية والمعتقدات غير الواقعية التي تغذي الوسواس.
العلاج الدوائي
- مضادات الاكتئاب (SSRIs): مثل الفلوكسيتين (Prozac)، السيرترالين (Zoloft)، الفلوفوكسامين (Luvox)، وتساعد في تقليل الوساوس والسلوكيات القهرية.
- الكلوميبرامين (Clomipramine): من أقدم الأدوية الفعالة لعلاج الوسواس القهري.
ملاحظة: أحيانًا قد يضيف الطبيب أدوية أخرى مساعدة إذا لم يتحسن المريض بشكل كافٍ.
العلاج الجمعي
الدمج بين العلاج النفسي والدوائي يعطي أفضل النتائج عند أغلب المرضى.
طرق أخرى في الحالات الشديدة أو المقاومة للعلاج
- التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS).
- التحفيز العميق للدماغ (DBS).
- العلاج الجماعي أو العائلي لمساعدة الأسرة على فهم طبيعة المرض ودعم المريض.
دور المريض ونمط الحياة
- ممارسة الرياضة بانتظام، فهي تقلل القلق وتحسن المزاج.
- النوم الجيد وتجنب المنبهات الزائدة مثل الكافيين.
- التأمل وتمارين الاسترخاء مثل التنفس العميق أو ممارسة اليوغا.
- الالتزام بخطة العلاج وعدم التوقف عن الأدوية دون استشارة الطبيب.
شاهد أيضًا: الأجروفوبيا: ما هو مرض بيومي فؤاد في مسلسل كتالوج؟
حينما تشعر بأن لديك قلقًا دائمًا من أمور يومية، أوهوس تجاه أفكار أو سلوكيات ما، ننصحك بالذهاب إلى الطبيب النفسي المختص؛ لمعرفة إن كنت تعاني من أعراض اضطراب الوسواس القهري أم لا؛ حيث أن البدء في علاجه بشكل مبكر يساعد على تجنب حدوث مشاكل حياتية مثل عدم القدرة على الانخراط في العلاقات الاجتماعية، وإيجاد صعوبة بأداء المهام الوظيفية، وأمراض جلدية، إضافة إلى الاكتئاب والميل إلى الانتحار في مراحل متقدمة جداً منه.