في ظل ارتفاع نسبة كبار السن في كوريا الجنوبية، صممت شركة محلية روبوتًا مبتكرًا على شكل دمية محشوة، مدعوم بالذكاء الاصطناعي، يهدف إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمسنين الذين يعيشون بمفردهم. هذه الدمية، المسماة “هيودول”، تمثل ثورة في مجال رعاية المسنين، حيث تجمع بين التكنولوجيا الحديثة والحاجة الإنسانية للتواصل والاهتمام.
انضم إلى قناة بابونج المجانية على الواتساب نصيحة صحية يومية للحصول على نصائح طبية متنوعة يوميًا.
ما هي دمية هيودول؟
في قلب العاصمة الكورية الجنوبية، سيول، وبين جدران شقق صغيرة يسكنها كبار السن، ظهرت “هيودول” كرفيق غير متوقع، لكنه بالغ الأثر. ليست مجرد دمية قماشية، بل روبوت ذكي صُمم خصيصًا ليؤنس المسنين، يخفف من وحدتهم، ويعيد لهم شيئًا من دفء العلاقات الإنسانية التي تآكلت بفعل الزمن والتغيرات الاجتماعية
يتميز “هيودول” بمظهر شبيه بدمية أطفال، مع قدرة على إجراء محادثات يومية باستخدام تقنيات روبوت الدردشة المشهورة “تشات جي بي تي”. يمكن للدمية التحدث بالإنجليزية والصينية واليابانية، وتذكير كبار السن بمواعيد أدويتهم ومهامهم اليومية، ما يعزز الالتزام الصحي ويخفف من الشعور بالوحدة.
اقرأ أيضًا: دمية لابوبو المرعبة تجذب الأطفال: أطباء النفس يحللون السبب؟
أزمة الشيخوخة والوحدة في كوريا الجنوبية
تواجه كوريا الجنوبية أزمة ديموغرافية متفاقمة، تُلقي بظلالها الثقيلة على فئة كبار السن. فمع انخفاض معدلات الولادة، وارتفاع متوسط العمر، باتت البلاد من بين الأسرع شيخوخة في العالم. هذا التحول السكاني لم يأتِ وحده، بل ترافق مع تغيّرات اجتماعية عميقة، أبرزها تفكك النسيج الأسري التقليدي، وغياب المنازل متعددة الأجيال التي كانت توفر الدعم والرعاية للمسنين. في ظل هذه الظروف، أصبحت الوحدة تهديدًا حقيقيًا للصحة النفسية والجسدية لكبار السن، بل وأحد أبرز أسباب الانتحار بينهم، حيث تُسجل كوريا الجنوبية أعلى معدلات انتحار للمسنين بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث تتمحور أزمة الشيخوخة في كوريا على الشكل التالي:
- يعيش عدد كبير من كبار السن بمفردهم، دون دعم يومي من أفراد الأسرة، ما يزيد من شعورهم بالعزلة ويقلل فرص حصولهم على الرعاية اللازمة.
- يعاني الكثير منهم من أمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، إضافة إلى اضطرابات عقلية كالاكتئاب والخرف، والتي تتفاقم بفعل الوحدة وقلة التفاعل الاجتماعي.
- تشير دراسات محلية إلى أن ما يخشاه المسنون في كوريا الجنوبية ليس الموت بحد ذاته، بل الوحدة التي تسبق الموت، حيث يشعرون بأنهم منسيون ومهملون في مجتمع سريع الإيقاع.
- تراجع دور الأبناء في رعاية الوالدين، نتيجة لانشغالهم بالحياة المهنية أو انتقالهم للعيش في مدن أخرى، ساهم في تعميق الفجوة العاطفية بين الأجيال.
- برامج الدعم الحكومي، رغم أهميتها، لا تزال غير كافية لتلبية الاحتياجات النفسية والاجتماعية للمسنين، ما يفتح المجال أمام حلول مبتكرة مثل الروبوتات الاجتماعية لتقديم الدعم العاطفي.
هذه الأزمة لا تمس كوريا الجنوبية وحدها، بل تمثل إنذارًا عالميًا للدول التي تشهد تحولات ديموغرافية مشابهة، وتدعو إلى إعادة التفكير في أساليب رعاية كبار السن، بما يضمن لهم حياة كريمة مليئة بالتواصل والاهتمام.
اقرأ أيضًا: صورتك الآن مع صورتك في الطفولة: ترند جديد يوقظ طفلك الداخلي!
فوائد استخدام دمية هيودول
في ظل التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهها كبار السن، تبرز دمية “هيودول” كحل مبتكر يجمع بين التكنولوجيا والرعاية الإنسانية، لتوفير الدعم العاطفي وتحسين جودة الحياة للمسنين.
- تقليل الشعور بالوحدة: توفر هيودول تفاعلًا يوميًا يشبه المحادثة، مما يساعد على كسر العزلة التي يعاني منها كبار السن.
- تحسين الصحة النفسية: أظهرت التجارب أن التفاعل مع هيودول يخفف من أعراض الاكتئاب والقلق، ويعزز الشعور بالراحة والطمأنينة.
- دعم الذاكرة والتنظيم اليومي: تذكّر المستخدمين بمواعيد الأدوية، الوجبات، والمواعيد الطبية، مما يساعد في إدارة الحياة اليومية بشكل أفضل.
- الاستجابة للطوارئ: مزودة بمستشعرات حركة يمكنها تنبيه مقدمي الرعاية في حال حدوث سقوط أو طارئ صحي.
- تعزيز التواصل مع مقدمي الرعاية: تُسجل هيودول البيانات الصوتية وتشاركها مع الأخصائيين الاجتماعيين، مما يتيح متابعة الحالة النفسية والصحية للمسنين عن بُعد.
- سهولة الاستخدام: تصميمها البسيط والمألوف يجعلها سهلة التفاعل حتى لمن يعانون من ضعف الإدراك أو مشاكل في الذاكرة.
- دعم مقدمي الرعاية: يُسهم “هيودول” في مساعدة مقدمي الرعاية. فالروبوت يراقب المستخدمين على مدار الساعة، ويرسل تنبيهات للأخصائيين الاجتماعيين والعائلة عند حدوث أي طارئ. كما يقوم بتسجيل إجابات المسنين على الأسئلة الروتينية، ما يوفر بيانات دقيقة حول صحتهم وسلوكياتهم اليومية.
اقرأ أيضًا: ماذا لو أعاد لك الذكاء الاصطناعي صوت من رحل عنك؟ نعم لقد صار ممكنًا!
التحديات المستقبلية
حتى الآن، تم توزيع أكثر من 12 ألف وحدة من “هيودول” في منازل المسنين في كوريا الجنوبية، بتكلفة تقريبية لكل وحدة 1150 دولارًا. كما تم تجربة الروبوت في منشأة رعاية بمدينة نيويورك عام 2023، مع خطط لتوسيع الانتشار في الولايات المتحدة بحلول 2026.
ومع ذلك، حذر الخبراء من مخاطر تتعلق بخصوصية المعلومات التي تجمعها هذه الروبوتات، مؤكدين ضرورة وضع آليات صارمة لحماية بيانات كبار السن.
خلاصة
تشكل “هيودول” نموذجًا مبتكرًا يدمج التكنولوجيا بالجانب الإنساني لرعاية المسنين، ويساهم في مواجهة تحديات الشيخوخة والوحدة. وبينما تفتح هذه الروبوتات آفاقًا جديدة للعناية بالمسنين، يبقى التوازن بين الفوائد التقنية وحماية الخصوصية ضرورة أساسية لضمان مستقبل صحي وآمن لكبار السن.