لم يعد الذكاء الاصطناعي حكرًا على تطبيقات التكنولوجيا أو وسيلة لرفع كفاءة الصناعات، بل أصبح اليوم لاعبًا رئيسيًا في مجال الطب، يفتح آفاقًا غير مسبوقة للتشخيص المبكر والتنبؤ بالأمراض قبل سنوات من ظهور أعراضها. وبينما يصفه البعض بأنه ثورة قد تغيّر وجه الطب عالميًا، يرى آخرون أن الاعتماد المفرط على الخوارزميات في قضايا تمس حياة الإنسان قد يحمل في طياته مخاطر لا يمكن تجاهلها.
انضم إلى قناة بابونج المجانية على الواتساب نصيحة صحية يومية للحصول على نصائح طبية متنوعة يوميًا.
الذكاء الاصطناعي في الطب دقة أعلى وتشخيص أسرع
الذكاء الاصطناعي يفتح عصرًا جديدًا في الطب، حيث يقترب من التنبؤ بالأمراض قبل ظهورها ليحدث ثورة في طرق التشخيص والوقاية:
خوارزميات تكشف المستور
في السنوات الأخيرة، حققت أنظمة الذكاء الاصطناعي تقدمًا ملحوظًا في تحليل صور الأشعة الطبية، واكتشاف علامات دقيقة لأمراض مزمنة يصعب على العين البشرية ملاحظتها. على سبيل المثال:
-
سرطان الرئة: طوّرت شركات عالمية أنظمة قادرة على تحليل صور الرئة لاكتشاف مؤشرات سرطان الرئة في مراحله الأولى بنسبة دقة تفوق 90%.
-
أمراض القلب: ظهرت خوارزميات قادرة على التنبؤ باحتمالية الإصابة بأمراض القلب عبر تحليل صور شبكية العين.
-
الزهايمر: الكشف المبكر عن الزهايمر من خلال دراسة أنماط الكلام وحركات الوجه.
تجارب مصرية واعدة
في مصر، بدأت بعض المستشفيات والمراكز البحثية في تطبيق الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي:
-
مستشفى قصر العيني: تطبيق مشروع تجريبي يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الأشعة المقطعية للكبد، مما ساعد في اكتشاف أورام صغيرة كان من الصعب ملاحظتها بالعين البشرية.
-
جامعة الإسكندرية: فرق بحثية تعمل على تطوير أنظمة للتنبؤ بمضاعفات مرض السكري، بالاعتماد على بيانات المرضى المصريين.
-
المركز القومي للبحوث: بدأ مشروعًا موازيًا في مجال أمراض الصدر، يهدف إلى بناء قاعدة بيانات وطنية لصور الأشعة، لتكون مرجعًا للأطباء وتُستخدم في تدريب الخوارزميات مستقبلًا.
رأي خبير تكنولوجيا
محمود صبري، أستاذ هندسة الحاسبات ونظم الذكاء الاصطناعي بجامعة القاهرة، يقول:
“التنبؤ بالأمراض باستخدام الخوارزميات لم يعد خيالًا، بل هو نتاج توافر بيانات ضخمة وتطور قدرات الحوسبة، لكن التحدي الأكبر يكمن في كيفية ضمان أن تكون هذه البيانات ممثلة لجميع الفئات، حتى لا يؤدي الانحياز في البيانات إلى قرارات طبية خاطئة”.
“الذكاء الاصطناعي ليس بديلًا عن الطبيب، بل هو أشبه بعدسة مكبرة تساعده على رؤية ما لا يمكن ملاحظته بالطرق التقليدية، المستقبل يتجه نحو التعاون بين الإنسان والآلة، وليس الصراع بينهما”.
اقرأ أيضًا: مفاجأة: الذكاء الاصطناعي يساهم في الكشف المبكر عن سرطان الحنجرة!
أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب عالميًا
يشهد العالم طفرة كبيرة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب، حيث تحوّلت الخوارزميات من مجرد أدوات بحثية إلى أنظمة عملية تُستخدم يوميًا في المستشفيات والمراكز الطبية الكبرى. ومن أبرز هذه التطبيقات:
-
التشخيص المبكر للأمراض: تعد أكثر المجالات استفادة من الذكاء الاصطناعي، إذ تُستخدم الخوارزميات في تحليل صور الأشعة (X-Ray، MRI، CT) للكشف عن الأورام السرطانية وأمراض القلب والدماغ بدقة عالية. في بريطانيا، على سبيل المثال، تم اعتماد أنظمة للكشف المبكر عن سرطان الثدي قلّلت من نسبة الأخطاء البشرية في التشخيص.
-
التنبؤ بمسار المرض: في الولايات المتحدة، طوّرت مراكز بحثية أنظمة تتنبأ باحتمالية إصابة المرضى بمضاعفات خطيرة مثل فشل القلب أو الجلطات الدماغية، من خلال تحليل السجلات الطبية والبيانات الحيوية بشكل مستمر. هذا التنبؤ المبكر يمنح الأطباء فرصة التدخل الوقائي.
-
الطب الشخصي (بالإنجليزية: Personalized Medicine): الذكاء الاصطناعي يساعد في تصميم بروتوكولات علاجية تناسب الخصائص الجينية لكل مريض. شركات أدوية عالمية مثل “فايزر” و”نوفارتس” تستثمر مليارات الدولارات في دمج الذكاء الاصطناعي لتسريع تطوير أدوية موجهة بدقة أكبر.
-
المساعدات الذكية للأطباء: العديد من المستشفيات تستخدم اليوم أنظمة “مساعد الطبيب الرقمي” التي تقدم اقتراحات علاجية، وتساعد في ترتيب أولويات الحالات الطارئة، كما تدير سجلات المرضى الإلكترونية بطريقة أكثر كفاءة.
-
الجراحة بمساعدة الروبوت: شهدت السنوات الأخيرة تقدمًا كبيرًا في استخدام الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في العمليات الجراحية الدقيقة مثل جراحات العيون والمخ والقلب، حيث توفر هذه التقنية دقة متناهية تقلل من احتمالية الخطأ البشري.
-
الكشف عن الأوبئة وتتبع انتشار الأمراض: خلال جائحة كورونا، لعب الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا في التنبؤ بمناطق تفشي الفيروس وتحليل البيانات الوبائية، وهو ما ساعد الحكومات على اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة.
اقرأ أيضًا: أول دواء من تصميم الذكاء الاصطناعي يحصل على اسم رسمي
التحديات والآفاق المستقبلية
رغم التقدم الملحوظ، يواجه الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي تحديات عدة:
-
الانحياز في البيانات: قد تؤدي البيانات غير المتنوعة إلى نتائج غير دقيقة.
-
الخصوصية والأمان: ضرورة حماية بيانات المرضى وضمان استخدامها بشكل آمن.
-
التكامل مع الأنظمة الصحية: تحديات في دمج الذكاء الاصطناعي مع الأنظمة الصحية الحالية.
مع ذلك، تشير التوقعات إلى أن الذكاء الاصطناعي سيصبح جزءًا أساسيًا من الممارسات الطبية اليومية، مما يسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية وتقديم حلول مبتكرة للتحديات الصحية العالمية.
اقرأ أيضًا: شراكة جديدة تهدف لتطوير تشخيص سرطان الرئة بالذكاء الاصطناعي
خلاصة
الذكاء الاصطناعي في الطب يمثل ثورة حقيقية بفضل قدرته على التشخيص المبكر والتنبؤ بالأمراض بدقة عالية، مع تطبيقات عالمية من تحليل الأشعة إلى الجراحة بالروبوت. ورغم الآمال الكبيرة، يبقى التحدي في ضمان جودة البيانات والإشراف البشري المستمر. المستقبل يقوم على تكامل خبرة الأطباء مع قوة الخوارزميات لصالح رعاية صحية أكثر أمانًا وفعالية.