تخيل أنك تمشي في الشارع وتشعر بدفء وحب غير مشروط تجاه كل من تلتقيهم، وكأنهم أصدقاء طفولة… هذا هو العالم الذي يعيشه مصابو متلازمة ويليامز، وهي حالة وراثية نادرة تميّز أصحابها بانفتاحٍ اجتماعي مفرط، وثقة غير محدودة في الغرباء، مما يجعلهم محبوبين وسريعي الارتباط، لكن عرضة للاستغلال والانعزال. فما الذي نعرفه علميًا عن هذه المتلازمة؟ وما علاقتها بخصائصنا الإنسانية العميقة كالتعاطف والثقة؟
انضم إلى قناة بابونج المجانية على الواتساب نصيحة صحية يومية للحصول على نصائح طبية متنوعة يوميًا.
ما هي متلازمة ويليامز؟
متلازمة ويليامز (بالإنجليزية: Williams Syndrome) هي اضطراب جيني نادر ناتج عن فقدان جزء صغير من المادة الوراثية في الكروموسوم السابع، ويؤثر على حوالي شخص واحد من كل 7500 مولود حول العالم. يتميّز المصابون بها بمزيجٍ فريد من السمات الجسدية والعقلية والسلوكية، أبرزها الودّ الفطري والانفتاح الاجتماعي المفرط، ما يجعلهم يظهرون حباً غير مشروط تجاه الغرباء.
بالرغم من هذا اللطف اللافت، يواجه هؤلاء الأشخاص تحديات صحية ومعرفية معقّدة، منها مشاكل في القلب والأوعية الدموية، تأخر في النمو، وصعوبات في التعلم. وغالباً ما يُشار إلى هذه المتلازمة بوصفها “نقيض التوحد”، نظراً لارتفاع قدرتهم على التواصل العاطفي والاجتماعي، وإن كان ذلك على حساب سلامتهم النفسية والجسدية أحيانًا.
شاهد أيضًا: ما العلاقة بين اللقاحات والتوحد؟
لماذا يُطلق عليها “نقيض التوحد”؟
تُعرف متلازمة ويليامز بكونها على النقيض تمامًا من اضطراب طيف التوحد، إذ تنعكس أبرز سماتها في سلوك اجتماعي مفرط لا يخلو من التحديات:
-
يتميز الأشخاص المصابون بمتلازمة ويليامز بقدرة مفرطة على الانخراط الاجتماعي، والود التلقائي مع الغرباء.
-
على عكس المصابين بالتوحد الذين يميلون للعزلة، يندفع المصابون بمتلازمة ويليامز نحو الناس، ويبادرون بالمحادثات والعناق والثقة، حتى مع أشخاص يلتقونهم لأول مرة.
-
رغم أن هذه السمة قد تبدو محببة، إلا أنها تُعرضهم لمخاطر الاستغلال والتنمر بسهولة.
كيف تعرف مصابو متلازمة ويليامز؟
المصابون بهذه المتلازمة يمتلكون ملامح وجه مميزة، وتُعرف هذه السمات باسم “وجه الجني” (بالإنجليزية: Elfin face) في بعض الدراسات السريرية، وتشمل ما يلي:
- أنف صغير مقلوب.
- فم واسع.
- شفاه ممتلئة.
- ذقن صغير..
- جبهة عريضة.
شاهد أيضًا: كيف تتغير مناعة طفلك في المدينة وترفع خطر حساسية الأطفال؟
الجانب الخفي من اللطف: مشاكل صحية وعقلية
وراء ابتسامتهم الدافئة وقلوبهم المفتوحة، يواجه مصابو متلازمة ويليامز سلسلة من التحديات الصحية والعقلية التي تؤثر بعمق على جودة حياتهم:
-
مشاكل قلبية مزمنة: يعاني كثير من المصابين من اضطرابات في القلب والأوعية الدموية ناتجة عن نقص بروتين الإيلاستين، بسبب فقدان جين ELN. هذا النقص يؤدي إلى تصلب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، ومخاطر قلبية مستمرة مدى الحياة.
-
تأخر في النمو وتراجع القدرات المعرفية: تشمل هذه المتلازمة صعوبات تعليمية، وضعفًا في مهارات التفكير المجرد، إضافة إلى معدل ذكاء أدنى من المتوسط، ما يعقّد اندماجهم الأكاديمي والمهني.
-
اضطرابات القلق والمخاوف المزمنة: يواجه المصابون مستويات عالية من القلق، خاصة عند التعامل مع المواقف غير المألوفة، أو محاولتهم فهم تعقيدات العالم من حولهم.
-
صعوبة في بناء علاقات طويلة الأمد: رغم انفتاحهم الاجتماعي الملفت، يواجهون صعوبة في الحفاظ على صداقات مستقرة، ما يجعلهم عرضة للشعور بالوحدة والعزلة.
-
الاعتماد على الرعاية المستمرة: تشير بيانات مرجع علم الوراثة المنزلي (بالإنجليزية:Genetics Home Reference) إلى أن عددًا قليلًا من المصابين يتمكنون من عيش حياة مستقلة بالكامل كبالغين، مما يفرض عليهم الاعتماد على الدعم العائلي أو المجتمعي بشكل دائم.
ماذا تكشف هذه المتلازمة عن الدماغ البشري؟
تمنحنا هذه الحالة النادرة فرصة لفهم أعمق لكيفية تشكّل السلوك الاجتماعي والصفات الإنسانية على المستوى الجيني والعصبي:
-
كشفت دراسات أجراها باحثون في جامعة ديوك ومعهد سالك أن حذف جين BAZ1B يؤثر على خلايا العرف العصبي، وهي خلايا أساسية في تكوين ملامح الوجه وسلوكيات اجتماعية معقدة.
-
وجد العلماء أن هذا الجين يساهم في تطور سمات إنسانية أساسية مثل اللطف والثقة.
-
يرى بعض الباحثين أن دراسة هذه المتلازمة تمنحنا نافذة على كيفية تطور التعاطف والثقة الاجتماعية في البشر، وكيف أن فقدان جينات بسيطة يمكن أن يغيّر نظرتنا للعالم.
شاهد أيضًا: حركات التوحد في مسلسل سيد الناس: هل هي حقيقية؟
كيف يمكن دعم المصابين بمتلازمة ويليامز؟
يتطلب التعامل مع هذه المتلازمة تدخلًا متعدد الأوجه، يشمل الأسرة، والمدرسة، والمجتمع ككل:
-
يحتاج الأطفال المصابون إلى برامج تعليمية متخصصة، وعلاج سلوكي لمساعدتهم في التمييز بين التفاعل الصحي والخطر.
-
كما أن الأسرة تلعب دورًا محوريًا في توفير بيئة آمنة تعزز ثقتهم بأنفسهم وتحميهم من الاستغلال.
-
المجتمعات تحتاج إلى التوعية بأن فرط الود لا يعني السذاجة، بل هو تعبير عن بنية عصبية مختلفة.
شاهد أيضًا: يوم التوحد العالمي 2 إبريل..دليلك الشامل حول طيف التوحد
خلاصة
متلازمة ويليامز ليست مجرد اضطراب وراثي، بل تذكير علمي وإنساني بأن ما نعتبره “طبيعيًا” في العلاقات الاجتماعية قد يكون نتيجة توازن دقيق في جيناتنا. هؤلاء الأشخاص يفتحون لنا نافذة لفهم جوهر الإنسانية: اللطف، العفوية، والثقة. لكنهم في المقابل يدفعون ثمناً باهظًا من العزلة والخطر، ما يستدعي فهمًا أعمق ودعمًا حقيقيًا.