في عالم لا يخلو من المخاطر الصناعية والطبيعية، تبقى الحوادث الإشعاعية واحدة من أخطر التهديدات الصحية والبيئية التي يمكن أن تواجه المجتمعات. فالتسرب الإشعاعي قد يحدث نتيجة انفجار نووي، أو حادث في مفاعل، أو حتى بسبب خطأ صناعي بسيط لكنه قاتل. وبينما يبدو الأمر مرعبًا، إلا أن فهم المخاطر واتخاذ الإجراءات الصحيحة في الوقت المناسب يمكن أن ينقذ الأرواح ويقلل الضرر إلى الحد الأدنى..
انضم إلى قناة بابونج المجانية على الواتساب نصيحة صحية يومية للحصول على نصائح طبية متنوعة يوميًا.
ما مدى خطورة التسرب الإشعاعي؟
عند تسرب المواد المشعة، تدخل جسيمات غير مرئية إلى البيئة وتبدأ في التأثير على خلايا الجسم. تختلف شدة التأثير حسب كمية الإشعاع، مدة التعرض، ونوع المادة المشعة.
1. متلازمة الإشعاع الحادة
تحدث عند التعرض لجرعة عالية من الإشعاع تغطي الجسم بالكامل خلال فترة قصيرة. من أبرز الأمثلة على ذلك كارثة تشيرنوبيل عام 1986، والتي تسببت في وفاة وإصابة مئات العاملين بسبب فشل إجراءات الطوارئ.
2. إصابة الجلد الإشعاعية
تؤثر الجرعات العالية من الإشعاع على الجلد مباشرة، مسببة حروقًا وآفات جلدية قد تتطور مع الوقت، خاصة في حال عدم توفر علاج فوري.
3. السرطان
الجرعات العالية من الإشعاع، حتى وإن لم تكن فورية الضرر، قد تؤدي إلى تغيرات خلوية سرطانية. يعتبر سرطان الغدة الدرقية من أكثر الأنواع المرتبطة بالتعرض للإشعاع، خصوصًا لدى الأطفال.
4. التعرض قبل الولادة
الجنين أكثر حساسية للإشعاع من البالغين. لذلك يُوصى الحوامل باتباع تعليمات الطوارئ بدقة وعدم التحرك إلا بعد التأكد من الأمان التام.
شاهد أيضًا: مفاعلات نووية وحرب مشتعلة… هل يتأثر جهازنا التنفسي؟
ماذا نفعل عند حدوث التسرب الإشعاعي؟
في حال حدوث تسرب إشعاعي، فإن اتخاذ الإجراءات الصحيحة خلال الدقائق الأولى قد يكون الفارق بين الأمان والخطر؛ لذا إليك أهم الخطوات التي يجب اتباعها لحماية نفسك ومن معك.
- الاحتماء داخل المباني فورًا: إذا كنت في الخارج لحظة الإعلان عن تسرب إشعاعي، ادخل إلى أقرب مبنى فورًا. الجدران تشكل عازلًا نسبيًا يقلل من كمية الإشعاع التي قد تصل إليك.
- البقاء في الداخل: لا تغادر المكان حتى تعلن الجهات المختصة أن ذلك آمن. إن البقاء لمدة 24 ساعة داخل مكان مغلق يقلل بشكل كبير من احتمالية التعرض للإشعاع، خاصة في الساعات الأولى التي تكون الأكثر خطرًا.
- الابتعاد عن الجدران والنوافذ: اختر مكانًا داخليًا في وسط المنزل. الطوابق الأرضية، أو القبو إن توفر، عادة ما توفر حماية أفضل من الطوابق العلوية.
- نزع الملابس وتطهير الجسم: إذا كنت في الخارج وقت التسرب، قم بنزع ملابسك فور دخولك المنزل واغتسل بالماء والصابون. هذا الإجراء البسيط يقلل من التلوث الإشعاعي بنسبة تصل إلى 90%.
أهمية اليود في حالات التسرب الإشعاعي
أحد أكثر المخاطر ارتباطًا بالإشعاع هو امتصاص اليود المشع من قبل الغدة الدرقية. هنا تأتي أهمية تناول يوديد البوتاسيوم (KI) الذي يعمل على إشباع الغدة الدرقية باليود المستقر، مما يمنع امتصاص اليود المشع.
الجرعات حسب البروتوكولات العالمية:
-
البالغون والأطفال فوق 12 عامًا: 130 ملغ من يوديد البوتاسيوم
-
الأطفال من 3 إلى 12 عامًا: 65 ملغ
-
الأطفال من شهر إلى سنتين: 32 ملغ
-
الرضع أقل من شهر: 16 ملغ
تنبيه هام: لا يُتناول اليود إلا بعد توجيهات واضحة من الجهات المختصة، ويُمنع تمامًا عن الأشخاص المصابين بفرط نشاط الغدة الدرقية أو مرض جريفز دون استشارة طبية.
شاهد أيضًا: اليود والإشعاع النووي: هل حان وقت استخدامه للحماية؟
هل يمكن تقليل الآثار الجانبية لجرعة اليود؟
نعم. يمكن دعم الجسم بمضادات أكسدة طبيعية تقلل من الأضرار الالتهابية والمناعية المحتملة، وأبرزها:
-
السيلينيوم: يدعم صحة الغدة الدرقية ويحسن تفاعل الجسم مع اليود.
-
فيتامين E: يحمي الخلايا من الضرر التأكسدي الذي قد يسببه الإشعاع أو اليود الزائد.
-
فيتامين C والزنك: يعززان المناعة ويقللان من الالتهابات.
خطوات وقائية للمستقبل
الاستعداد المسبق هو خط الدفاع الأول ضد أي طارئ إشعاعي، فاتباع خطوات وقائية بسيطة اليوم يمكن أن يصنع فرقًا كبيرًا في أوقات الأزمات.
-
الاحتفاظ بمجموعة طوارئ منزلية تشمل: بطاريات، ماء، طعام معلب، أدوية أساسية، أجهزة راديو، وكمية احتياطية من أقراص اليود (وفق تعليمات الجهات الصحية).
-
التعرف على خطة الطوارئ المحلية في منطقتك ومواقع الملاجئ المؤقتة.
-
متابعة الأخبار من مصادر رسمية وموثوقة فقط.
الخلاصة
التسرب الإشعاعي خطر حقيقي، لكنه قابل للتعامل والوقاية إذا توفرت المعرفة والإجراءات الصحيحة. تبدأ الحماية بالاحتماء السريع داخل المباني، والالتزام بتعليمات الجهات المختصة، مع أهمية استخدام جرعة اليود عند الحاجة لتقليل امتصاص الإشعاع. ويُعد الاستعداد المسبق من خلال تجهيز حقيبة طوارئ، ومعرفة خطة الإخلاء المحلية، ومتابعة الأخبار من مصادر رسمية، خطوة ضرورية لكل فرد. إن الوعي والاستعداد لا يمنعان الخطر فحسب، بل ينقذان الأرواح أيضًا.