في زوايا الحمام، خلف الجدران الرطبة، وبين أنابيب التكييف القديمة، يختبئ عدو صامت قد لا تلاحظه العين، لكنه قد يكون السبب في أزمات تنفسية مزمنة تهدد الحياة. العفن المنزلي لم يعد مجرد مشكلة جمالية أو مصدر للرائحة الكريهة، بل أثبتت الدراسات الحديثة أنه عامل بيئي خفي يقف وراء أمراض رئوية حادة قد تصل في بعض الحالات إلى تليّف الرئة.
انضم إلى قناة بابونج المجانية على الواتساب نصيحة صحية يومية للحصول على نصائح طبية متنوعة يوميًا.
ما هو العفن المنزلي؟
العفن المنزلي هو نوع من الفطريات الدقيقة التي تنمو في البيئات الرطبة والدافئة داخل المنازل، ويظهر غالبًا كبقع سوداء أو خضراء على الجدران، الأسقف، الخشب، أو حتى الأثاث والسجاد. يتكاثر العفن بإطلاق جراثيم مجهرية في الهواء، يمكن استنشاقها بسهولة، ما يجعله خطرًا غير مرئي يهدد صحة الجهاز التنفسي.
تنشط هذه الكائنات في أماكن تسرب المياه، مثل الحمامات، المطابخ، وحدات التكييف، خاصة في المنازل القديمة أو غير جيدة التهوية. ومع استمرار التعرض له، يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة، أبرزها الربو، التهاب الجيوب الأنفية، وأمراض رئوية مزمنة مثل التليف الرئوي.
شاهد أيضًا: كيف تتغير مناعة طفلك في المدينة وترفع خطر حساسية الأطفال؟
العفن المنزلي وعلاقته بأمراض الرئة
كشفت دراسة علمية صادرة عن مركز “تكساس ساوث ويسترن الطبي” أن العفن داخل المنازل يمكن ربطه مباشرة بنحو 25% من حالات التهاب الرئة التحسسي، وهو مرض مناعي مزمن يهاجم الرئتين وقد يؤدي إلى التليّف وفقدان القدرة على التنفس الطبيعي.
تفاصيل دراسة العفن المنزلي وأمراض الرئة
فيما يلي أبرز ما ورد في الدراسة:
-
أجريت الدراسة على 231 مريضًا شُخّصوا بالتهاب الرئة التحسسي بين عامي 2011 و2019.
-
54 مريضًا تعرضوا للعفن المنزلي المزمن.
-
90% من المرضى أصيبوا بتليف رئوي.
-
41% احتاجوا إلى العلاج بالأكسجين نتيجة تفاقم الحالة.
شاهد أيضًا: انتبه الملايين يعانون الآن من كوفيد-19 طويل الأمد
استنتاجات دراسة العفن المنزلي وأمراض الرئة
نتوصل من الدراسة أن:
-
العفن المنزلي عامل بيئي رئيسي في التسبب بالتهاب الرئة التحسسي: رُبط العفن المنزلي مباشرة بنحو ربع حالات التهاب الرئة التحسسي، ما يؤكد دوره كأحد أهم المسببات البيئية لهذا المرض المزمن.
-
تأثير العفن يتجاوز الحساسية ويصل إلى التليف الرئوي: الإصابة بتليف الرئة لدى 90% من المرضى الذين تعرضوا للعفن تشير إلى أن الأضرار التنفسية الناتجة ليست مؤقتة، بل تتطور إلى تلف دائم في أنسجة الرئة.
-
الحاجة إلى الأوكسجين مؤشر على تدهور شديد: اضطرار 41% من المرضى للعلاج بالأوكسجين يعكس مدى خطورة تفاقم الالتهاب الناتج عن العفن المنزلي، واحتمالية تأثيره على نوعية الحياة وحتى البقاء.
-
العفن المنزلي تهديد صامت يُمكن الوقاية منه: رغم أن العفن لا يُرى دائمًا بالعين المجردة، إلا أن نتائجه الصحية جسيمة، ويُمكن تجنّبها من خلال تحسين التهوية، إصلاح التسريبات، والتخلص من مصادر الرطوبة.
-
ضرورة إدراج تاريخ السكن ضمن التقييمات الطبية: تُظهر النتائج أهمية أن يستفسر الأطباء عن ظروف السكن عند التعامل مع أمراض الجهاز التنفسي، نظرًا لتأثير العوامل البيئية مثل العفن على تطور المرض.
شاهد أيضًا: تأثير تلوث الهواء على الحامل
أين ينمو العفن؟ ومتى يصبح خطيرًا؟
العفن يجد بيئته المثالية في الأماكن الرطبة التي تعاني من تسرب المياه، ومن أبرزها:
-
الحمامات سيئة التهوية.
-
غرف النوم في المنازل القديمة.
-
وحدات التكييف غير المعزولة.
-
الجدران المتشققة بعد الفيضانات أو تغيرات المناخ المفاجئة.
وفقًا للدراسة، فإن المنازل التي لا تحتوي على نظم تهوية مناسبة أو لم تُجهز لمواجهة الكوارث المناخية مثل الفيضانات والرطوبة العالية، تكون أكثر عرضة لانتشار العفن الداخلي الذي قد يبقى غير مرئي لفترات طويلة.
شاهد أيضًا: ما هي أنواع السعال؟ وكيف يمكن معالجتها؟
ماذا لو تخلصت من العفن المنزلي؟
أظهرت الدراسة أن التخلص من مصدر العفن يُحدث تحسنًا سريعًا وملحوظًا، حتى لدى مرضى الحالات المتقدمة مثل التليف الرئوي:
-
5 مرضى ممن توقفوا عن التعرض للعفن شهدوا تحسنًا في وظائف الرئة بنسبة تزيد عن 10% خلال 4 أشهر.
-
لم تُسجل حالات تدهور بعد إزالة العفن أو الانتقال إلى مساكن جديدة.
-
متوسط البقاء دون الحاجة إلى زراعة رئة بلغ نحو 97.7 شهرًا، وهو معدل يماثل أولئك الذين تعرضوا لعوامل بيئية أخرى كالطيور أو العفن الخارجي.
صعوبة تشخيص أمراض الرئة
رغم هذا الارتباط الواضح، لا يزال تشخيص أمراض الجهاز التنفسي المرتبطة بالعفن المنزلي معقدًا بسبب:
-
غياب أدوات اختبار موحدة لكشف التعرض للعفن
-
عدم وجود سجل بيئي واضح لحالات المرضى
-
تداخل الأعراض مع أمراض تنفسية أخرى مثل الربو أو الحساسية الموسمية
لذلك دعا الباحثون الأطباء إلى دمج التقييم البيئي ضمن الفحوصات السريرية لمرضى الرئة، خاصة في ظل تزايد الكوارث المناخية التي تزيد من رطوبة البيوت وتسرّب المياه.
شاهد أيضًا: ارتفاع ضغط الدم المفاجىء: خطر صامت قد يهدد حياتك
أمراض أخرى مرتبطة بالعفن المنزلي
إلى جانب التهاب الرئة التحسسي، يرتبط العفن أيضًا بعدة أمراض تنفسية شائعة:
-
الربو، خاصة لدى الأطفال والمسنين.
-
التهاب الجيوب الأنفية المزمن
-
الحساسية الفطرية الرئوية
وتزداد احتمالية الإصابة بهذه الأمراض كلما طالت فترة التعرض للعفن في أماكن مغلقة وغير جيدة التهوية.
الوقاية من العفن المنزلي
العفن المنزلي ليس خطرًا يمكن تجاهله. قد لا تراه، لكنه قادر على إحداث تلف دائم في رئتيك أو رئة أحد أفراد عائلتك.
الوقاية تبدأ بخطوات بسيطة:
-
التأكد من تهوية الحمامات والمطابخ.
-
معالجة أي تسرب مائي بسرعة.
-
تنظيف وحدات التكييف وتغيير فلاترها دوريًا.
-
استخدام مزيلات الرطوبة في الأماكن المغلقة.
-
فحص المنازل القديمة بانتظام.
شاهد أيضًا: 8 من العادات السيئة المدمرة للصحة والأكثر شيوعًا
الخلاصة:
تكشف هذه الدراسة عن وجه غير مرئي لكنه بالغ الخطورة داخل منازلنا، وهو العفن المنزلي، الذي لم يعد مجرد مظهر غير مرغوب به، بل سبب مباشر في أمراض رئوية مزمنة قد تدمّر حياة الإنسان بصمت. ومع ارتباطه بتليف الرئة والاعتماد على الأوكسجين، يصبح التعامل معه ضرورة طبية وبيئية عاجلة.
إن الوقاية تبدأ من الوعي. فمع ازدياد الرطوبة وتغيّر المناخ، بات من المهم فحص منازلنا بانتظام، إصلاح التسريبات، وتحسين التهوية، لا لحماية الجدران فقط، بل لحماية الرئتين أيضًا، لأن صحة الجهاز التنفسي لا تبدأ في المستشفى، بل في البيت.