من قلب أعماق المحيط المظلمة، حيث تعيش كائنات بحرية لم تطأها عين بشرية، خرج اكتشاف علمي قد يُغيّر مستقبل علاج السرطان. إذ نجح باحثون صينيون في استخلاص علاج جديد للسرطان من قاع المحيط، وهو مركّب سكّري فريد من نوعه من بكتيريا بحرية نادرة، أظهر قدرة غير مسبوقة على تدمير الخلايا السرطانية وتحفيز جهاز المناعة للدفاع عن الجسم. اكتشاف لا يشبه سواه، يُسلّط الضوء على المحيطات كمخزون دوائي لم يُستغل بعد، فما تفاصيل هذا الاكتشاف؟
انضم إلى قناة بابونج المجانية على الواتساب نصيحة صحية يومية للحصول على نصائح طبية متنوعة يوميًا.
علاج جديد للسرطان
في سباق البشرية المستمرّ لاكتشاف علاجات فعالة للأورام السرطانية، يُسلّط الضوء اليوم على مصدر غير تقليدي: أعماق البحار. في دراسة رائدة نشرتها مجلة الأحياء والعلوم الطبية الحيوية (بالإنجليزية: FASEB Journal) التابعة للاتحاد الفسيولوجي الأميركي، كشف فريق من الأكاديمية الصينية للعلوم عن مركّب سكّري معقّد مستخلص من بكتيريا بحرية، أظهر قدرة استثنائية على قتل الخلايا السرطانية بطريقة تحفّز الجهاز المناعي.
ما هو المركب “EPS3.9″؟
-
تعريف المركب: “EPS3.9” هو جزيء سكّري طويل السلسلة يُعرف علميًا بـ“متعدد السكاريد الخارجي” (بالإنجليزية: Exopolysaccharide)، استُخرج من نوع نادر من البكتيريا البحرية يُسمى سبونجيباكتر نانهانوس ( بالإنجليزية: Spongiibacter nanhainus).
-
المنشأ البحري: تعيش هذه البكتيريا في أعماق بحر الصين الجنوبي، وهي قادرة على تحمّل الظروف البيئية القاسية كارتفاع الضغط وانخفاض الحرارة، مما يمنحها خصائص حيوية نادرة.
-
التركيب الجزيئي: يتكوّن المركّب من وحدات من السكريات الأحادية: المانوز والجلوكوز، وهي سكريات معروفة بتداخلها الحيوي مع الخلايا.
شاهد أيضًا: بهارات تحميك من السرطان: أكثر من 3 أنواع مختلفة
كيف يهاجم المركّب الخلايا السرطانية؟
-
الآلية الحيوية: يعمل “EPS3.9” على التفاعل مع الفوسفوليبيدات في غشاء الخلايا السرطانية، مُحدثًا تغيّرات في بنيتها تؤدي إلى نوع خاص من الموت الخلوي يُعرف بـالموت الالتهابي المبرمج (بالإنجليزية: Pyroptosis).
-
نمط الموت الخلوي: يتمزق الغشاء الخلوي مُطلِقًا إشارات التهابية قوية، تستنفر جهاز المناعة لمهاجمة الخلايا السرطانية في الموقع وحوله.
-
تحفيز المناعة: إضافةً إلى قتل الخلايا، يُنشّط المركّب “EPS3.9” ما يُعرف بالبروتينات الداخلية إنفلامازومات (بالإنجليزية: Inflammasomes)، والتي تُطلق سلسلة من التفاعلات المناعية الفعالة.
علاج جديد للسرطان ونتائحه
في خطوة واعدة نحو تطوير علاجات أكثر فعالية ودقة، كشفت النتائج المخبرية عن أداء مبهر للمركب البحري الجديد في مواجهة السرطان:
-
سرطان الدم والكبد: أظهر المركّب فعالية لافتة في قتل خلايا سرطان الدم، كما قلّص بشكل ملموس حجم أورام الكبد لدى الفئران.
-
استجابة مناعية طبيعية: لم يكتف المركب بتدمير الورم، بل عزّز أيضًا الاستجابة المناعية، ما يُقلّل من احتمالية عودة السرطان أو انتشاره.
لماذا يُعد هذا الاكتشاف ثورة في عالم علاج السرطان؟
يأتي هذا الاكتشاف ليفتح صفحة جديدة في سجلّ محاربة الأورام، حيث يُقدَّم علاج جديد للسرطان مستخلص من البيئة البحرية، يحمل مزايا غير مسبوقة على مستوى الفعالية والدقة. المركب “EPS3.9” المستخرج من بكتيريا أعماق المحيط، يعكس الإمكانات الهائلة التي تختزنها المحيطات، ويعيد تأكيد أهمية البحث في مصادر دوائية غير تقليدية.
هذه الدراسة تُسلّط الضوء على قيمة المركبات الكربوهيدراتية المستخلصة من الكائنات البحرية، التي باتت تُعد اليوم من أبرز المرشحين في تطوير أدوية حديثة ضد السرطان، خصوصًا لما تحمله من خصائص بيوكيميائية دقيقة وقدرة على التفاعل مع الخلايا السرطانية بذكاء بيولوجي ملحوظ.
شاهد أيضًا: قصة ظهور البلوجر مي المصابة بالسرطان في مسلسل 80 باكو
منهج مختلف… وأمل جديد
ما يجعل هذا المركب البحري مثيرًا للاهتمام ليس فقط قدرته على قتل الخلايا السرطانية، بل طريقته في القيام بذلك. بخلاف العلاجات التقليدية التي قد تُتلف الخلايا السليمة إلى جانب الخلايا الورمية، يُظهر العلاج الجديد للسرطان المستمد من “EPS3.9” قدرة انتقائية عالية، تستهدف الورم بدقة دون التسبب بضرر جانبي كبير. الأهم من ذلك، أن المركب لا يعمل بصمت، بل يُفعّل الجهاز المناعي من الداخل، محفزًا استجابة التهابية منظمة تُسهم في تحطيم الخلايا المصابة ومنع انتشارها.
ويؤكد الباحث شاو مين سون أن ما توصلوا إليه يتجاوز حدود تجربة مخبرية، فهو يُشكّل انطلاقة علمية نحو جيل جديد من العلاجات السرطانية. هذا المسار العلاجي، القائم على مركبات بحرية سكّرية، يمهد الطريق نحو استراتيجيات دوائية أكثر أمانًا، ودقة، وفعالية، وربما… أكثر أملًا.
شاهد أيضًا: أعراض مبكرة غير متوقعة لمرض السرطان عند النساء
خلاصة
يُعد اكتشاف علاج جديد للسرطان نقلة نوعية في أبحاث الأورام، إذ يجمع بين فعالية عالية وتحفيز مناعي طبيعي، مستندًا إلى مركّبات بحرية نادرة بخصائص علاجية واعدة. هذا التقدّم العلمي يفتح الباب أمام عصر جديد من الأدوية المستخلصة من أعماق المحيط، ويوفّر أملًا حقيقيًا لعلاجات أكثر أمانًا ودقة لمرضى السرطان حول العالم.