يمكن أن يتعرض الإنسان للعديد من الصدمات في حياته والتي قد تفوق قدرته على التكيف الطبيعي، وقد تكون تلك الصدمات جسدية، أو عاطفية أونفسية، ومن المؤسف أن بعضها يؤثر على جودة حياة الشخص وعلاقاته الاجتماعية وعمله المهني، معًا نتعرف على أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا وهو اضطراب ما بعد الصدمة أو اضطراب الكرب التالي للرضح كما نتطرق إلى أعراضه وكيفية علاجه.
انضم إلى قناة بابونج المجانية على الواتساب نصيحة صحية يومية للحصول على نصائح طبية متنوعة يوميًا.
اضطراب ما بعد الصدمة
يحدث اضطراب الكرب بعد الصدمة (بالإنجليزية: Post Traumatic Stress Disorder or PTSD) بعد أن يتعرض الشخص لصدمة ما في حياته، تاركة له ذكريات أليمة يسترجعها الشخص عند التعرض لمواقف مشابهة، وعادة ما يصاحب هذا الاضطراب مجموعة من المشاعر المتداخلة بما فيها الحزن، والكآبة، والتوتر والقلق، وقد تكون تلك الصدمة موت شخص قريب، أو فقدان وظيفة أو التعرض لحادث إعتداء جنسي وغيرها من أنواع الصدمات.
إنّ حالة الاضطراب النفسي التي يمر بها الإنسان بعد التعرض للصدمات هي حالة مرضية قديمة، أي كانت تصيب الكثير من الأشخاص الذين يشاركون في الحروب بصورة خاصة، كما ننوه أن أنّ هذا الاضطراب يصيب جميع الأشخاص على اختلاف أعمارهم وأجناسهم.
أعراض اضطراب الكرب بعد الصدمة
يمكن أن يؤدي التعرض للتحرش أو العنف الجسدي، أو حدوث كوارث طبيعية بما فيها الزلازل إلى الإصابة بصدمة نفسية، كما أن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة قد تجعل ممارسة الأنشطة الحياتية أمرًا صعبًا بل مستحيلًا في بعض الأحيان، كما يمكن أن تسبب كلمات أو مواقف معينة أن يتذكر المصاب الصدمة التي تعرض لها؛ مما يؤدي إلى ظهور الأعراض.
كما أنّ أعراض الاضطراب تدور حول عدة محاور أوّلها استرجاع الذكريات حول الحَدث الذي أصاب الشخص، أو ظهور كوابيس متكررة حول الصدمة، أو الاضطراب الجسدي والعقلي عند التفكير في الصدمة، على أية تتضمن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة الآتي:
التجنب والانعزال
يقصد بالتجنب هنا الابتعاد والانعزال عن الأشخاص والأماكن أو المواقف التي تذكر الشخص بالصدمة التي تعرض لها؛ هذا يؤدي إلى انعزال الشخص في منزله، وعدم قدرته على إكمال عمله أو حياته بشكل طبيعي، كما انها تؤدي إلى شعوره بالحزن والاكتئاب الحاد.
الإثارة والتفاعل
تتضمن الإثارة والتفاعل اندهاش المصاب تجاه شيء يُذكره بالصدمة العاطفية التي تعرض لها، كما أنّ رد الفعل تجاه الشيء يكون مبالغًا فيه، بالإضافة إلى حدوث صعوبة في التركيز لدى المصاب، ونوباتٍ من الغضب، والشعور الدائم بالتوتر، هذا بالإضافة إلى ما يراود المصاب من أفكار سلبية حول نفسه.
الإدراك والمزاج
يمكن أن تظهر مجموعة من الأعراض التي تؤثر أيضًا على الإدراك والمزاج النفسي لدى المصاب، بما فيها الإحساس بالذنب أو القلق، أو لوم النفس بشكل كبير، ووجود مشكلة في تذكر الأحداث المهمة في الصدمة التي حدثت، وانخفاض الاهتمام بالأنشطة التي كان المصاب يحبها.
شاهد أيضًا: اضطراب الشخصية الانهزامية
أسباب اضطراب ما بعد الصدمة
يعد كرب ما بعد الصدمة من الحالات المرضية التي يشيع حدوثها، إذ أنها تصيب ما يتراوح بين 7-8% من الأشخاص حول العالم، كما أنّ هذا الاضطراب بعد الصدمات يصيب بدرجة أكبر النساء مقارنةً بالرجال.
كما تزيد بعض العوامل من خطر الإصابة باضطراب الكرب التالي للرضح ، وتتضمن هذه العوامل الآتي:
- الجنس: على الرغم من أنّ الرجال لديهم احتمالية أكبر للتعرض لأعمال عنف أو صدمات، إلا أنّ هذا الاضطراب أكثر شيوعًا لدى النساء.
- الاستجابة للتوتر: عند تعرض الشخص لصدمة أو حادث، أو مشكلة ما في حياته، فإنّ الجسم يفرز هرمونات في هذه الحالة، ومنها هرمون الكورتيزول والأدرينالين، وتختلف مستويات هذه الهرمونات من شخص لآخر.
- بنية الدماغ: تشير بعض الدراسات إلى أنّ الحُصين يبدو مختلفًا لدى الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات في حياتهم، إذ يشارك هذا الجزء من الدماغ في العواطف، والذكريات، كما يمكن أن يؤثر على فرصة وجود ذكريات الماضي.
- العوامل العائلية: يمكن أن يكون الأشخاص الذين لديهم إصابات باضطراب ما بعد الصدمة في العائلة أكثر تعرضًا للإصابة بالمرض.
- وجود إصابات سابقة بأمراض الصحة العقلية: يعد الأشخاص الذين أصيبوا في فترات سابقة بأحد أمراض الصحة العقلية أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب.
شاهد أيضًا: الصحة العقلية للمرأة واختلافها عن الصحة العقلية للرجل
تشخيص اضطراب الكرب التالي للرضح
يبدأ الطبيب تشخيص الاضطراب من خلال إجراء فحص بدني للشخص، ذلك بهدف الكشف عن الحالات المرضية التي يمكن أن تسبب هذا الاضطراب، بالإضافة إلى إجراء تقييم نفسي يتضمن مناقشة الأعراض والعلامات والأحداث التي أدت إلى ظهور هذه الأعراض.
كما يتبع الطبيب معايير الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض العقلية وفق ما نشرته جمعية الطب النفسي الأمريكية، يمكن الجزم بإصابة شخص ما بهذا الاضطراب عند استمرار المشاكل التي يعانيها بعد التعرض للصدمة أياً كانت لمدة تزيد عن شهر، عدا عن أنها قد تؤدي إلى حدوث مشاكل أكبر متعلقة بالقدرة على الوجود في البيئة المحيطة، والقدرة على التواصل الاجتماعي.
شاهد أيضًا: ما هي الأمراض الجسدية ذات المنشا النفسي؟ وكيف يمكن علاجها؟
علاج اضطراب بعد الصدمة
يساعد علاج اضطراب ما بعد الصدمة المصاب على استعادة السيطرة بهدف ممارسة أنشطته الحياتية بشكل طبيعي، ويتضمن العلاج الخيارات التالية:
العلاج النفسي
في العلاج النفسي يمكن أن يستخدم الطبيب نوعاً واحداً أو أكثر من نوع، وتتضمن أنواع العلاج النفسي الآتي:
- العلاج السلوكي المعرفي: يطلق عليه بالإنجليزية ( Cognitive Processing Therapy) ويكون من خلال العلاج بالكلام مع المصاب للتعرف على طريقة تفكيره، والأفكار السلبية التي بداخله، وتفنيد تلك الأفكار واستبدالها بأخرى إيجابية.
- العلاج بالتعرض المطول: يساعد هذا النوع العلاج المعرفي السلوكي في أن يواجه المصاب بالاضطراب المواقف والذكريات المخيفة، والآثار طويلة الأمد للصدمة، لكي يستطيع فهمها والتأقلم معها، وهو ما يشبه إعادة التجربة، وعادة ما يفيد هذا العلاج في تفادي الذكريات المؤلمة وكوابيس الصدمة.
العلاجات الدوائية
يمكن أن يلجأ الطبيب إلى العلاج بالأدوية النفسية، كونها تفيد بصورة كبيرة في التخفيف من علامات اضطرابات ما بعد الحروب، وتتضمن هذه الأدوية الآتي:
- الأدوية المضادة للقلق: تخفف هذه الأدوية من القلق الشديد الذي قد يصيب الشخص تجاه الصدمات المماثلة للصدمة التي تعرض لها، بما أنّ هذه الأدوية قد تسبب الإدمان؛ لذا فإنّ الطبيب يصفها لفترة قصيرة.
- مضادات الاكتئاب: تساعد هذه الأدوية في التخفيف من أعراض الاكتئاب والقلق الشديد، كما يمكن أن تفيد في تحسين اضطرابات النوم، والتركيز، إذ تتضمن هذه الأدوية مثبطات استرداد السيريتونين الانتقائية.
- أدوية الكوابيس: يمكن أن يصف الطبيب أيضًا الأدوية التي تمنع أو تقلل حدوث الكوابيس لدى الشخص المصاب باضطراب ما بعد الصدمة، لكن في بعض الدراسات يشار إلى أنّ هذه الأدوية لم تجد نفعًا في التخلص من الكوابيس لدى بعض المصابين.
يحدد كل من الطبيب والمصاب الخيار العلاجي الأنسب والأفضل للشخص، إذ يكمن الهدف التقليل من حدوث الآثار الجانبية قدر الإمكان، كما يمكن أن تبدأ أعراض الشفاء بالظهور على المصاب من خلال تحسن مزاجه خلال عدة أسابيع قليلة من الخضوع للعلاج.
شاهد أيضًا: إيجابيات وسلبيات العلاج المعرفي السلوكي للاكتئاب
كيفية التعامل مع المصاب باضطراب ما بعد الصدمة
تحتاج الأمراض النفسية أو الاضطرابات العقلية إلى طرق تعامل خاصة، هذا ما قد يميزها عن باقي الحالات المرضية الأخرى، أمّا بالنسبة لاضطراب ما بعد الصدمة فتتمثل الطريقة الصحيحة في التعامل مع المرض من خلال الخطوات التالية:
- الالتزام التام بالعلاج: أيًا كان المرض يعد الالتزام بالعلاجات الموصوفة من قبل الطبيب من أهم التدابير التي تسرع عملية الشفاء، وتساعد على التأقلم مع الحالة المرضية، وعلى الرغم من أنّ الاضطراب قد يحتاج إلى فترة طويلة للتعافي منه، إلا أنّ الالتزام بالخطة العلاجية ضروري جدًا، لتجنب حدوث مضاعفات أخطر.
- التعرف على المرض: كما هو الحال في أي شيء لا يعرفه الإنسان قد يسبب له الخوف، أو عدم معرفة التعامل معه؛ لذا من الأفضل التعرف بشكل كامل عن أعراض هذه الحالة، وتعلم كيفية التعامل معها.
ملاحظة: ينصح بأن يجري المصاب بعض التعديلات في نمط حياته؛ مما يساعد على تجنب المحفزات، كما يجب الامتناع التام عن تناول أدوية لم يصفها الطبيب، وعوضًا عن ذلك يجب طلب المساعدة النفسية من متخصص ماهر.
شاهد أيضًا: فن التخلي: كيف تحرر نفسك من الماضي؟
لا يعد اضطراب ما بعد الصدمة من الحالات المرضية المعقدة، لكنه يحتاج إلى استشارة الطبيب لإجراء الفحوصات، ومعرفة العوامل المسببة وعلاجها، وذلك بهدف الوقاية من حدوث مضاعفات قد تكون دائمة، بالإضافة إلى أنه من المهم معرفة كيفية التعامل مع مريض اضطراب ما بعد الصدمة لتقديم الدعم النفسي الكافي للمصاب
