في حالات التسرب النووي، لا يُعد الخطر الأكبر هو ما تراه بعينيك، بل ما لا تراه: الإشعاع. وبين أنواع الإشعاعات المختلفة، يمثل اليود المشع أحد أخطرها بسبب تأثيره المباشر على الغدة الدرقية. وهنا يأتي دور “يوديد البوتاسيوم” (KI) كأحد أكثر الإجراءات الوقائية فاعلية، إذا استُخدم بالشكل الصحيح وفي الوقت المناسب.
انضم إلى قناة بابونج المجانية على الواتساب نصيحة صحية يومية للحصول على نصائح طبية متنوعة يوميًا.
العلاقة بين اليود والإشعاع النووي
الغدة الدرقية هي واحدة من أكثر الأعضاء حساسية تجاه الإشعاع، نظرًا لقدرتها العالية على امتصاص اليود من مجرى الدم. هذا الامتصاص ضروري لإنتاج الهرمونات المنظمة لعملية الأيض والنمو، خاصة لدى الأطفال والمراهقين. لكن في حال حدوث تسرب نووي، يُطلق اليود المشع (خصوصًا النظير I-131) في الهواء، وقد يدخل الجسم عن طريق الاستنشاق أو الطعام والماء الملوثين.
عندما تفتقر الغدة الدرقية إلى اليود الطبيعي، فإنها تمتص اليود المشع بسرعة، مما يعرض الخلايا الدرقية للإشعاع من الداخل، ويزيد احتمالية حدوث طفرات سرطانية. هذه الخطورة تتضاعف لدى الأطفال، إذ تكون خلاياهم أكثر نشاطًا وأسرع انقسامًا، ولدى الحوامل والمرضعات نظرًا لتأثير اليود على نمو الجنين أو الرضيع.
هنا يأتي دور يوديد البوتاسيوم (KI). عند تناوله بالجرعة والوقت المناسبين، يُشبِع الغدة الدرقية بيود مستقر وغير مشع، ما يمنعها من امتصاص اليود المشع لاحقًا. هذه الآلية تُعرف علميًا باسم“الإشباع الوقائي للغدة”، وهي أحد أكثر استراتيجيات الدفاع المدني فاعلية في مواجهة التلوث الإشعاعي الناتج عن الحوادث النووية.
لكن لا بد من التأكيد أن فعالية يوديد البوتاسيوم تعتمد بشكل كبير على السرعة في الاستجابة. كل ساعة تأخير تُقلل من الحماية، وكل استخدام خاطئ قد يؤدي إلى آثار جانبية غير ضرورية. لذلك، يُنصح دائمًا بالحصول على أقراص KI من الجهات الصحية المعتمدة واتباع الإرشادات الرسمية بدقة.
باختصار، حماية الغدة الدرقية عبر استخدام اليود في وقت الطوارئ ليست فقط مسألة طبية، بل إجراء وقائي حاسم قد ينقذ حياة آلاف الأشخاص، خصوصًا الفئات الأكثر ضعفًا.
شاهد أيضًا: رعب يهز الأعماق: رهاب الزلازل بين الخوف والواقع
كيف يعمل اليود في حالات الطوارئ؟
عند تناول يوديد البوتاسيوم قبل أو في وقت قريب من التعرض لليود المشع، تمتلئ الغدة الدرقية باليود “الآمن”، مما يمنع امتصاصها لليود المشع. هذه الآلية تُعرف علميًا بـ“تشبع الغدة باليود المستقر”.
التوقيت المثالي لتناول اليود
تُوصي منظمة الصحة العالمية بأن يكون تناول أقراص يوديد البوتاسيوم (KI) ضمن هذه النافذة الزمنية لتحقيق أقصى فعالية:
-
من 24 ساعة قبل التعرض للإشعاع
-
وحتى ساعتين بعد بداية التعرض
-
ويمكن تناوله حتى 8 ساعات بعد التعرض، لكن بفعالية أقل تدريجيًا مع مرور الوقت
التقيد بهذا التوقيت أمر بالغ الأهمية، إذ يعتمد نجاح الوقاية على سرعة إشباع الغدة الدرقية باليود المستقر قبل أن تتعرض لليود المشع.
شاهد أيضًا: متحور كورونا الجديد “نيمبوس”: هل ما زالت اللقاحات تحمينا؟
بعد 24 ساعة: لا فائدة منه
إذا مرّت أكثر من 24 ساعة على بدء التعرض للإشعاع، فإن تناول أقراص اليود لا يعود ذا فائدة تُذكر. فالغدة تكون قد امتصت بالفعل ما يمكن امتصاصه من اليود المشع، وبالتالي يُصبح التدخل المتأخر غير مجدٍ من الناحية الوقائية.
في هذه الحالة، يصبح التركيز منصبًا على تدابير أخرى للحماية من الإشعاع مثل البقاء في أماكن مغلقة، التطهير الشخصي، والمتابعة الطبية.
شاهد أيضًا: 10 معلومات لتحقيق الأمن الشخصي أثناء الزلازل
من الفئات التي يجب أن تأخذ اليود أولًا؟
عند الحديث عن اليود والإشعاع النووي، تبرز دائمًا تساؤلات حول الفئات الأكثر حاجة لتناول يوديد البوتاسيوم. ووفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض (CDC) ومنظمة الصحة العالمية، فإن الأولوية تُعطى للفئات التالية:
-
الأطفال والرضّع.
-
النساء الحوامل والمرضعات.
-
البالغون تحت سن 40.
-
فوق سن 40: فقط في حال التعرض لتلوث إشعاعي عالي جدًا.
ما هي جرعة يوديد البوتاسيوم؟
يمكن توضيح الجرعة المناسبة كالتالي:
- الكبار (18 سنة فما فوق): 130 ملغ.
- الأطفال (3-18 سنة): 65 ملغ.
- الرضع (شهر–3 سنوات): 32 ملغ.
- المواليد (أقل من شهر): 16 ملغ.
يجب تناول الجرعة تحت إشراف الجهات الصحية الرسمية، وعدم تكرارها دون تعليمات واضحة.
تحذيرات هامة: ما لا يُعد بديلاً عن KI
قد تسمع شائعات تشير إلى استخدام اليود من مصادر أخرى، لكن يجب الانتباه إلى أن المصادر التالية ليست بديلًا عن يوديد البوتاسيوم:
-
ملح الطعام: يحتوي على كمية يود ضئيلة جدًا، وقد يتطلب تناول أكثر من 2.5 كغ منه دفعة واحدة للوصول للجرعة المطلوبة، ما يسبب تسممًا بالصوديوم.
-
مكملات اليود الغذائية: تحتوي عادة على 150–500 ميكروغرام فقط، أي أنك تحتاج إلى 260–800 قرص لتصل للجرعة المطلوبة.
-
مطهرات الجروح باليود أو صبغة اليود: لا تُمتص من الجهاز الهضمي ولا تُستخدم لهذا الغرض إطلاقًا.
ما الذي يجب أن تعرفه عنه اليود والإشعاع النووي؟
في حالات الطوارئ النووية، لا يكفي لحمايتك، بل تحتاج إلى معرفة دقيقة، فيما يلي أبرز ما يجب معرفته عن اليود والإشعاع النووي:
-
يوديد البوتاسيوم (KI) يحمي فقط الغدة الدرقية من اليود المشع.
-
يجب تناوله بالتوقيت والجرعة المناسبين.
-
لا تعتمد على مكملات أو ملح الطعام كبدائل.
-
استشر الجهات الرسمية دائمًا، ولا تتناول أي شيء دون إعلان واضح.
-
جزء كبير من النجاة يتعلق بالهدوء والتصرف وفق خطة علمية مسبقة.
شاهد أيضًا: مرض تنفسي خطير ينتشر في أوروبا: هل يعود مشهد كورونا؟
الخلاصة
في مواجهة الحوادث النووية، يلعب اليود دورًا حاسمًا في الحماية من تأثيرات الإشعاع النووي، خاصة على الغدة الدرقية. لكن فعاليته ترتبط بالتوقيت الصحيح والجرعة المناسبة، ولا يُعتبر بديلًا عنه لا الملح المدعّم باليود ولا المكملات الغذائية. معرفة الفئات التي تحتاج اليود والإشعاع النووي بشكل عاجل، والالتزام بتعليمات الجهات الرسمية، يشكلان الخطوة الأولى نحو الوقاية. في النهاية، الاستعداد العلمي الهادئ أقوى من الذعر، والمعرفة هي درعك الأول.