يشكّل النوم حجر الأساس لصحة الإنسان، ورغم أن حرمانه ساعات قليلة فقط يسبب الإرهاق وضعف التركيز، ظهرت عبر التاريخ حالات نادرة جدًا لأشخاص زعموا أنهم لم يناموا لسنوات طويلة، ما أثار دهشة الأطباء ودفع الباحثين لإعادة التفكير في فهمهم لحدود الجسد البشري.
في هذا المقال نتناول أبرز هذه الحالات، ونوضح ما تقوله علوم الأعصاب حول إمكانية حدوثها.
انضم إلى قناة بابونج المجانية على الواتساب نصيحة صحية يومية للحصول على نصائح طبية متنوعة يوميًا.
أغرب حالات الأرق
قصة المرأة الصينية التي لم تنم 40 عامًا
انتشرت قصة “لي” بشكل واسع في الصحافة الصينية بعد أن أصبحت معروفة في قريتها بسبب قدرتها المزعومة على البقاء مستيقظة لعقود. لكن دراسات النوم المتقدمة قدّمت تفسيرًا علميًا مختلفًا، ومن أبرز الحقائق العلمية حول حالتها ما يلي:
-
مراقبة موجات الدماغ في مركز متخصص ببكين كشفت أنها تنام فعلًا، لكن بطريقة غير تقليدية.
-
نومها يحدث وهي جالسة وتتحدث، مع بقاء الجسم في حالة نشاط تشبه حالة المشي أثناء النوم.
-
فترة نومها تكون قصيرة جداً (نحو عشر دقائق يوميًا) مع غياب الإغماض الكامل للعينين.
-
الأطباء اعتبروا حالتها شكلًا من الباراسومنيا (اضطرابات النوم غير النمطية) التي تسمح بحدوث النوم دون الوضعيات المعتادة.
-
هذه الظاهرة موثقة في الأدبيات الطبية، وتحدث عند حالات محدودة جدًا حول العالم.
في ضوء هذه النتائج، لم تكن لي بلا نوم كما اعتقد مقربوها، بل كانت تمتلك نمطًا فريدًا من النوم الجزئي المتقطع.
اقرأ أيضًا: هل تحتاج النساء حقًا إلى النوم أكثر من الرجال؟
قصة الرجل الفيتنامي الذي لم يذق النوم منذ 60 عامًا
تاي نغوك، مزارع من فيتنام، أصبحت قصته محور نقاش عالمي بعد ادعائه أنه لم ينم منذ ستة عقود، واعتبرت حالته من أبرز أغرب حالات الأرق، فرغم قلة نومه ومعناته من الأرق ظل قادرًا على العمل لساعات طويلة في الحقول، ومن أهم النقاط التي رُصدت في حالته:
-
بدأت معاناته بعد عام 1962، عقب مشاركته في حرب فيتنام، وهو ما عزز فرضية الصدمة النفسية طويلة الأمد كعامل محتمل.
-
فشلت العلاجات الدوائية والتقليدية في مساعدته على النوم، وفق ما أفاد هو وعائلته.
-
زاره متخصصون وصنّاع محتوى في 2023، وأشاروا إلى أنه قد يدخل في نوبات نعاس قصيرة جدًا أثناء قيامه بأعماله، لكنها غير ملحوظة.
-
الفحوص الطبية أكدت أن نبض القلب، وضغط الدم، والوظائف العصبية جميعها ضمن الحدود الطبيعية.
-
يرى بعض أطباء الأعصاب أن حالته قد تكون نومًا ميكرويًا (Micro-sleep) يحدث دون إدراكه، وهي ظاهرة ثبتت علميًا لدى المصابين بأرق شديد.
رغم غرابة القصة، يؤكد المختصون أن انعدام النوم التام فترة طويلة غير ممكن بيولوجيًا، وبالتالي يُرجّح وجود فترات نوم قصيرة جدًا لا يشعر بها المريض.
اقرأ أيضًا: تحذير قبل الاستخدام: أضرار حبوب الميلاتونين وتأثيرها على النوم والجسم
كيف يفسّر العلم هذه الحالات؟
تعتبر علوم النوم أن متوسط الحاجة اليومية للنوم بين 7–9 ساعات، لكن الجهاز العصبي يمتلك آليات تعويضية عندما لا يحصل الإنسان على الراحة الكافية.
-
النوم الميكروي: حالات تحدث فيها موجات دماغية شبيهة بالنوم تستمر لثوانٍ، دون أن يشعر الشخص بذلك.
-
اضطرابات اليقظة والنوم (بالإنجليزية: Parasomnias): مثل المشي أثناء النوم، وقد يظهر فيها الشخص متفاعلًا رغم دخوله في مرحلة نوم خفيف.
-
تبدّل دورات النوم: بعض الاضطرابات العصبية تجعل النوم موزّعًا في شكل فواصل قصيرة على مدار اليوم بدل فترة واحدة طويلة.
-
التكيّف العصبي: الدماغ قد يفعّل آليات لا واعية للبقاء في الحد الأدنى من النشاط الحيوي أثناء الحرمان الطويل.
اقرأ أيضًا: تحذير: قلة النوم قد تسبب الوفاة! وهذا ما حدث مع يوتيوبر كوري شهير
هل يمكن للإنسان أن يبقى بلا نوم لعقود؟
من الناحية العلمية البحتة، تُجمع أبحاث النوم على أن الحرمان التام من النوم لفترات طويلة غير ممكن بيولوجيًا. فالجسم يحتاج النوم للحفاظ على الذاكرة، وتنظيم الهرمونات، ودعم المناعة، وضبط العمليات العصبية. وتشير دراسات جامعة هارفارد والجمعية الأمريكية لطب النوم إلى أن بقاء الإنسان بلا نوم كامل لأكثر من عدة أيام فقط يؤدي إلى اضطرابات خطيرة مثل تشوش الوعي، وضعف التنسيق الحركي، وانهيار الجهاز المناعي.
لكن ما يراه العلم مستحيلًا قد يظهر في الواقع بصور توحي بعكس ذلك. فالأشخاص الذين يعتقدون أنهم لا ينامون مطلقًا، حتى في أغرب حالات الأرق، غالبًا ما يعانون من الحالات الطبية التالية:
-
نوبات نوم دقيقة (Micro-sleep): تحدث خلال ثوانٍ أو دقائق دون أن ينتبهوا لها.
-
نومًا غير مرئي للعين: مثل النوم بعينين مفتوحتين أو أثناء الحديث، كما يحدث في بعض اضطرابات اليقظة.
-
تجزئة النوم إلى فواصل قصيرة جدًا على مدار اليوم: فتبدو من الخارج كأنها يقظة مستمرة.
-
تشوه الإدراك الزمني وقد يكون ناتج عن الصدمات النفسية أو الأرق المزمن، ما يجعل الشخص يشعر أنه لم ينم رغم حدوثه فعليًا.
وبالتالي، حتى أغرب حالات الأرق التي يُقال إنها استمرت لعقود بلا نوم لا تعني غياب النوم تمامًا، بل وجود شكل غير تقليدي من النوم يمر دون ملاحظة الشخص أو المحيطين به. هذا يفسّر قدرة بعض الحالات النادرة على الحفاظ على نشاطها رغم الظاهر الغريب الذي يحيط بقصصها.
خلاصة
تكشف أغرب حالات الأرق عن قصص تبدو غريبة وخارقة مثل المرأة الصينية والرجل الفيتنامي، لكنها في الحقيقة تكشف جانبًا معقّدًا من علم النوم، وتؤكد أن اضطرابات النوم قد تتخفّى في صور غير مألوفة. وبينما لا تزال هذه الظواهر نادرة للغاية، فإنها تذكّر بأن الدماغ البشري أكثر تعقيدًا مما نتخيل.
